رواية دعاء الفصول من 18-24
وتتشبث به لتجلسه ولكنه كان كالعاصفة الهوجاء يطيح بكل ما يقابله أمامه يمينا ويسارا لم تعد تعرف كيف تعيده إلى رشده أخذت تمسح على ذراعيه تارة وعلى رأسه تارة وهى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى هدأ أخيرا وجلس وقد احتقن وجهه بشدة وډفن رأسه بين كفيه محاولا السيطرة على غضبه يلتقط أنفاسه بصعوبة كأنه كان يعدو بقوة.
أمتى حصل ده يابنتى
رفع رأسه ونظر إلى والدته متسائلا حينما سمعها تقول لمحدثتها
لاحول ولا قوة الا بالله ..البقاء لله يابنتى
أغلق فارس باب شقة والدة دنيا خلف المعزيين وعاد ليجلس بجوارها منهكا من شدة التعب نظر إليها فوجدها ټدفن رأسها بين كفيها وتنساب عبراتها المنهمرة على وجنتيها لتبلل كفيها ووجهها أقتربت والدته منها ومسحت على ظهر دنيا بحنان قائلة
كفايه يا بنتى هتموتى نفسك من العياط .. أدعيلها بالرحمة
ثم نظرت ل فارس وأردفت
نهض فارس بتثاقل فكم كان محتاجا لقسط من الراحة لبعض الوقت بعد نهار طويل من اجراءات الډفن والوقوف لاستقبال المعزين أمسك يدها وساعدها على النهوض وهو يقول بإشفاق
تعالى جوه يا دنيا.. قومى يالا
نهضت وهى تجفف دموعها وقد أطرقت رأسها إلى الأرض وكادت أن تسقط من فرط أجهادها وحالتها النفسية السيئة لولا أن أسندها بيديه ومضى بها إلى غرفتها ساعدها فى الجلوس على طرف فراشها قائلا
رفعت رأسها إليه ببطء ونظرت له من بين دموعها وقالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء
أقعد لو سمحت
جلس بجوارها على الفراش والټفت إليها مشفقا لحالها فارتمت على صدره وأخذت تبكى وتشهق بقوة وهى ترجوه قائلة
متسبنيش يا فارس .. أنا ماليش غيرك دلوقتى .. أرجوك متسبنيش لوحدى ..أنا بعتذرلك عن كل اللى عملته معاك وكل اللى غلطته فى حقك.. بس أنا عارفة انك شهم ونبيل ومش هتتخلى عنى .
آخر حاجة ماما قالتهالى أقولك تفضل جنبى علشان ماليش غيرك ..علشان خاطرها يا فارس مش علشان خاطرى انا..أرجوك يا فارس أرجوك
رفع رأسه لأعلى وتنفس بقوة ثم ربت على كتفها مطمئنا وقال
مټخافيش يا دنيا مټخافيش
ولمعت عينيه من التأثر وهو يردف قائلا
أنا جنبك متقلقيش من حاجة أبدا
أعتدلت ونظرت إليه بلهفة قائلة
ربت على يدها وقال بهدوء
متفكريش فى الكلام ده دلوقتى.. أنا عاوزك تنامى وترتاحى ..أنت مش شايفة نفسك عامله ازاى
أستلقت فى فراشها مطمئنة وأغمضت عينيها ظل جالسا بجوارها حتى ذهبت فى سبات عميق ألقى عليها نظرة مشفقة ونهض بهدوء وخرج وأغلق الباب خلفه خرج فوجد والدته قد غفوت على الأريكة الخارجية حاول إيقاظها ولكنها لم تستجب له من شدة الإرهاق هوى بجسده على المقعد جانبها واستند إلى ظهر المقعد وأغمض عينيه وهو يحاول استيعاب الأمر من جديد .
لقد أصبحت وحيدة الآن وليس من الشهامة أن يتخلى عنها هكذا ويتركها بمفردها لقد استنجدت به وتوسلت إليه أن لا يتركها فكيف يفعل تأبى رجولته أن يفعل ذلك ولكن كيف يحتفظ بها وهى من هى لن يستطيع أن يتخذها زوجة حقيقية ولن يستطيع أن يطلقها فى مثل هذه الظروف وضع كفيه على وجهه ملتجأ إلى الله عزوجل هاتفا بقلبه
ما العمل ياربى ما العمل
عادت أم فارس إلى بيتها وتركتهما هناك بعد أن ألحت على فارس أن يبقى مع زوجته فى شقة والدتها قليلا ثم يعود بها بعد أن تتحسن حالتها تفاجأت بأن زواج مهرة قد تم بالفعل فى غيابها فصعدت إليهم وجلست بصحبة أم يحيى وهى تقول بضيق
كده برضوا.. هو أنا مش من حقى افرح بيها زيك ولا أيه يا ام يحيى
قالت أم يحيى بحرج
والله سألت عليكى
يا ست أم فارس ملقتكيش وبعدها عرفت من عمرو ان حماة الأستاذ فارس تعيشى انت .. أتلخمت فى كتب الكتاب ومعرفتش أوصلك
مهرة فين علشان أباركلها
اشارت لها أم يحيى إلى غرفتها قائلة
جوه.. ثوانى اندهالك
خرجت مهرة من غرفتها وتلاقت عينيها بعينين أم فارس كل عينين بها ما بها وتنطق بالكثير ولكن مهرة لم تستطع أن تنتظر أكثر جرت مسرعة وارتمت بين أحضان أم فارس وأخذت تبكى وتبكى وأمه تمسح على رأسها وقد لمعت عينيها بالدموع ولكنها تماسكت فقالت أم يحيى
أيه يا بت مالك بتعيطى ليه كده
رفعت أم فارس رأسها لأم يحيى قائلة
تلاقيها واخده على خاطرها مني علشان محضرتش فرحها
مطت أم يحيى شفتيها وهى تقول
أنا عارفة ايه دلع البنات ده .. دى من ساعة كتب الكتاب وهى لويه بوزها كده حتى عريسها مبتديلوش ريق حلو ابدا
أزداد بكاء مهرة ولكنها لم ترفع رأسها من حضڼ أم فارس حتى بللت حجابها بدموعها فقالت أم فارس وقد رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها
ايه يا ست انت... أنت بقيتى بخيلة ولا أيه فين الشربات بتاعى
ضحكت أم يحيى بسعادة وهى متوجهة إلى المطبخ قائلة
من عنيا يا ست الكل
تبعتها أم فارس بعينيها حتى اختفت داخل المطبخ فربتت على رأس مهرة وقالت بخفوت
متقهريش نفسك يا بنتى.. كل شىء قسمة ونصيب
توقفت مهرة عن البكاء ورفعت رأسها تنظر فى عينيها متعجبة فابتسمت لها أم فارس وقالت بخفوت
أنا كمان مربياكى واقدر احس بيكى كويس .. ولا فاكرانى مش حاسة بيكى كل ده
ثم امسكت وجهها بين يديها وقالت بحنان
ركزى فى مذاكرتك ومتفكريش فى حاجة.. وارضى بقضاء ربنا علشان ربنا يرضى عنك ويرضيكى
دخلت مهرة هى وأخيها يحيى النادى الرياضى تتطلع حولها منبهرة بما ترى بينما كان علاء الذى يسير بجوارها بزهو وهو يشاهد الأنبهار فى عينيها هى وأخيها وهو يشعر بالسعادة فتلك المرة الأولى التى وافقت على أن تخرج بصحبته منذ أن عقد عليها ..مرت بجوارهم مجموعة من الفتيات استوقفوه بلهفة وهن يصافحنه ويتضاحكن معه بجرأة وبجوارها يحيى يكاد يلتهمهن بعينيه ألتفت علاء إلى مهرة فوجدها مصوبة نظرها عليهم بملامح خالية من أى تعبير ولكن يغلب عليها بعض الدهشة أنصرفت الفتيات واقترب منها قائلا
أيه يا حبيبتى غيرانه ولا أيه... لا لازم تتعودى على كده دى ضريبة الشهرة ولا ايه يا يحيى
قال يحيى مؤكدا
طبعا يا نجم
نظرت إليهما مهرة وكأنها لم تسمعهما ولم ترى حديثه مع الفتيات
وقالت
هو مين اللى بيصرف على كل الحاجات الفخمة اللى فى النادى دى
نظر لها متعجبا وقال باستنكار
هو ده كل اللى لفت نظرك
أومأت برأسها وقالت باهتمام
غريبة أوى أنا كنت بشوف الحاجات دى فى التلفزيون بس كنت فاكراهم بيضحكوا علينا طلع بجد
عقد ذراعيه أمام صدره بضيق وقال وهو يسير بجوارهما ببطء
وأيه الغريب فى كده .. إذا كانت مكافأتنا لوحدها بتوصل للألفات وساعات الواحد فينا بياخد مليون لوحده مكافأة ..مستغربة ان النادى نفسه يبقى فخم
ثم أشار لهما على أحدى الطاولات لتجلس جلس قبالتها فانحنت للامام مستندة إلى الطاولة الصغيرة وقالت
ومين اللى بيدفع كل ده
رفع كتفيه قائلا بلا مبالاة
تبرعات رجال الاعمال مكافآت من الدولة وحاجات زى كده يعنى
أسندت ذقنها على راحة يدها وقالت متعجبة
مصر ماليانة أحياء شعبية محتاجة نص اللى بيتحط فى النادى ده والماتشات بتاعته هو وغيره ورجال الأعمال دول لو اتبرعوا للأحياء دى ولا لأطفال الشوارع ولا للمستشفيات اللى محتاجة أجهزة وأدوية كان هيبقى ثوابهم أكبر عند ربنا مش يجوا يحطوا فلوسهم فى حمام سباحة ولا ماتش
عقد حاجبيه وقال بحنق
أحنا بندى البلد دى جوايز ده غير الدورى والكاس
ضحكت وهى تقول
غريبة أوى أنتوا بيتصرف عليكوا ملايين علشان دورى وكاس لكن العلماء محدش بيسأل فيهم و بيضطروا يهاجروا بره مصر علشان يلاقوا اللى يصرف على أبحاثهم اللى هتخدم البشرية كلها
قال يحيى بحماس معترضا
والماتشات دى برضة حاجة كويسة يا مهرة .. بتخرج الطاقة والناس بتحبها وبتتبسط منها يعنى كلنا بنستفاد والبلد كمان بتستفاد
نظرت إلى يحيى وقالت بتلقائية
يابنى ده انا اختك وبشوفك أنت وصحابك وانتوا بتتخانقوا بعد كل ماتش ده غير الشتيمة اللى بتقعدوا ټشتموها للعيبة وتاخدوا عليها ذنوب والقهوة اللى على أول شارعنا اللى بيضربوا بعض بالكراسى وفى الآخر بعد الماتش ما يخلص هما ياخدوا المكافآت وانتوا تتخانقوا وتخسروا بعض.. وبلد أيه اللى بتستفاد دى الفريق بيسافر والبلد تصرف عليهم فى البلد التانية ..وفى الآخر لو كسبوا يقولوا مصر فازت ولو خسروا مصر خسړت.. طب مصر كسبت ايه وخسړت ايه واحنا مش مهتمين بالعلم والعلماء وبنقولهم فوت علينا بكره .. كسبت كاس بيتحط على رف النادى مكتوب عليه تاريخ الانتصاروفلوس تتوزع على اللعيبة زى الرز ..وفى
ناس أحق بالفلوس دى بيباتوا من غير أكل ولا دوا وبيموتوا من كتر الأهمال فى المستشفيات الحكومية...الكلام ده لو فى عدل لو كل واحد بياخد حقه
نسى علاء أنه فى مكان عام وهتف غاضبا
وحضرتك بقى وافقتى تتجوزينى ليه طالما شايفة أن شغلى تافه أوى كده
حملت حقيبة يدها وقالت بتلقائية
منا قلتلك كنت فاكراهم بيضحكوا علينا فى التلفزيون وبيبالغوا بس كلامك ده واللى أنا شايفاه أكدلى ..وبعدين مالك زعلان أوى كده ليه الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية وأنا بقول رأيى
نظر لها يحيى مندهشا وهو يقول
سبحان الله كأنى سامع الأستاذ فارس هو اللى بيتكلم
نظرت له مهرة بتأثر ولمعت عينيها حنينا بينما قال علاء متسائلا
مين فارس ده
ضحك يحيى وهو يقول
ده بقى يا سيدى الأب الروحى لمراتك.. هو اللى مربيها ومحفظها الكلام ده
ظن علاء أن الشخص الذى يتحدث عنه يحيى رجل طاعن فى السن مثلا فلم يبالى بالأمر وقال باستهزاء
وأنا أقول برضة اتعلمتى منين التخاريف دى
هتفت مهرة وهى تنظر له پغضب
أتكلم باسلوب أحس من كده
تدخل يحيى بسرعة وقال مهدئا للموقف
صلوا على النبى يا جماعة دى مجرد مناقشة
تأملها علاء لبعض الوقت ثم قال حانقا
يالا نمشى
سارت بجواره وهو يمشى بخطوات واسعة وهى تحاول اللحاق به جاهدة ويحيى يلقى النظرات الأخيرة على النادى الذى حلم دائما بدخوله حتى وجدته يقف فجأه وتتغير ملامحه الغاضبة إلى الابتهاج عندما صافح أحد الرجال الذى كان يبدو عليه أنه فى أوائل العقد الخامس من عمره يرتدى حلة وقبعة رياضية ثم استدار إليها يعرفها إلى الرجل قائلا
دى مهرة مراتى يا كوتش وده يحيى أخوها
نظر إليها الرجل مبتسما ومد يده يصافحها قائلا
أهلا وسهلا نورتى النادى
عقدت ذراعيها وقالت بجمود
أهلا بحضرتك بس معلش مش بسلم
مد يحيى يده وصافح الرجل بحرارة بينما نظر لها علاء نظرة ڼارية وضغط أسنانه حتى