روايه جميله 2 الفصول من السادس ل التاسع بقلم الكاتبة
الفصل السادس
بعد مرور أربعة شهور..
حزم حقيبته بضيق واضح على ملامحه، وضعها بإهمال جانب الغرفة ثم تقدم للنافذة يحاول فيها تنظيم أنفاسه الهائجة، لم يكن ينوي قطع عمله لولا إلحاح صديقه عليه بسبب عقد قرانه على حبيبته وطفلته نهال، اندفع الباب بقوة ...
_ إيه ياعم خالد، خلصت.
الټفت بنصف جسده قائلًا بنبرة رخيمة : آه وأنت.
هز خالد رأسه وهو يحاول أن يخرج ابتسامته ولكن فشل كعادته منذ مجيئه بعد آخر إجازة له، خرج أدهم وعاد خالد ينظر من النافذة يتذكر كلمات مذقت قلبه إلى أشلاء...
فلاش باك...
اقترب من غرفة صديقه بالمعسكر حتى يبوخه كالعادة بسبب تأخيره..فوصل إلى مسامعه صوت أدهم الغاضب...
كاد يدلف له ولكنه امتنع في آخر لحظة ووقف على أعتاب باب غرفة صديقه وساعده في ذلك تلك الفتحة التي كانت تساعده في رؤيه صديقه وهو يتحدث في هاتفه..
_ لا مش عشان خالد والله، بس مش عارف بقى، ولا يمكن عشان خالد، المهم يعني واد بيجيلها كتير.
طيب، والله لو في خير ليها يبقى على البركة، فريدة تستاهل كل خير طبعًا.
أغلق عينيه بقوة وعروق وجهه تنتفض پغضب مما يسمعه، وعاد عقله يعصف به من كثره الأسئله، ماذا يعنى حديث صديقه، هل وافقت عليه، ماذا تخبئ عنه أمه ووالده، لما يمتنعان عن ذكر اسمها كالسابق، فتح عينيه وكانت كجمرتين من الڼار إن طالت أحدهم لأحړقته ، الإجابة واضحة، فريدة وعمار معًا، جز على أسنانه پعنف وهو يتقدم نحو غرفته وأغلق الباب خلفه، ثم انحنى بجذعه إلى الأسفل وضغط بيديه على ركبتيه
تراجع أدهم عدة خطوات بعدما رأى ملامحه وهتف بتساؤل : أنت اللي في إيه، بتخبط في إيه جوا.
أغلق الباب خلفه پعنف وهو يتقدم خارج المعسكر قائلًا بقوة : مالكش فيه..
( عوودة).
انتبه على رنين هاتفه، فعلم أنه صديقه يحثه على المجيئ، غادر غرفته بل غادر المعسكر بنفس ملامحه الوجمة، واستقل سيارة صديقه وهو ينظر للاشئ يفكر بها وما سيفلعه وأثره عليها، لاحت على ثغره ابتسامة خبيثة وخرجت من صدره تنهيدة قوية!.
أما فريدة كانت تنتقل بالمول بجانب صديقتها وهي تنظر لتلك الفساتين بحالمية شديدة، تابعت بعينيها صديقتها وهي تقف بجانب كل فستان على حدى متنقلة بينهم برشاقة..
_ ده يايدي، ولا ده، لا لا ده.
ابتسمت فريدة بحب لتقول : كلهم حلوين، وكلهم هايبقوا عليكي قمر يا قلبي.
أشارت لها فريدة على فستان كشيميري: ده هيبقى عليكي حلو أوي ومناسب لكتب الكتاب.
تقدمت منه وهي تشير للبائعة عليه قائلة : عاوزة ده أقيسه.
ثم اسطردت وهي تشير لفستان أحمر كڼاري : وده عشان صاحبتي تقيسه.
التفتت إليها فريدة پصدمة وقالت : لا يا نهال مش هالبس فساتين ده كتب كتابك أنتي، أنا هالبس أي حاجة.
هزت الأخرى رأسها برفض قاطع وهي تقول بلهجة حاسمة : لا هاتقيس، وهاتلبسي فستان، أولًا ياهانم كتب الكتاب هانعمله في قاعة هو والشبكة، عشان أدهم قالي بحق فلوس الفرح نسافر نتفسح بيها، يبقى امتى بقى هاتلبسي فستان...والله يافريدة لو ما ريحتيني لأزعل منك.
ثم مطت كالأطفال بحزن مصطتنع وقالت : يعني عاوزني أزعل منك، وتبوظي خطوبتي بكرة.
أخذت الفستان من البائعة على مضض وهي تتقدم من غرفة تبديل ملابس : حاضر يا نهال هانم، ناقص تقوليلي اعمليلي فقرة رقص بكرة.
تحدثت نهال بخفوت مع نفسها : وماله،ده أنا هاولعها بكرة...اصبري بس يا ديدي، دور ست الجادة اللي أنتي واخداه بقالك كتير ده هاينهار بكرة..
تعجب خالد عندما وقف صديقه بسيارته أمام المول فالټفت له ليقول : إيه ده، أنت عاوز حاجة من هنا، طب وصلني الأول مش قادر عاوز أروح.
خلع أدهم نظارته الشمسية وقال : لا ده نهال وفريدة هنا، بيجيبوا فستانين للخطوبة بكرة، قولتلها نستنى نجبهم معانا بالمرة.
لم يشغل باله أي شئ سوى أنها ستردي فستان، فقال ببلاهة :
فريدة هاتلبس فستان!.
ابتسم أدهم بمشاكسة وقال : آه مش خطوبتي وكتب كتابي يا جدع، تلبس متلبسش ليه، أنا نازل أجيبهم تيجي معايا.، ولا أقولك خليك أنت.
وقبل أن يهبط أدهم كان خالد يسبقه وهبط بهيبته وبدلته العسكرية وهو يتقدم نحو المول، أما أدهم فوقف متعجبًا من سرعته، سار بجانبه وهو يقول : هدي من مشيتك، أنت عارف هما فين!.
توقف خالد وهو يعقد ذراعيه أمامه بضجر : فين يا أدهم اخلص.
أشار له أدهم نحو الدور الثاني وهو يقول : في محل أيس كريم هنا.
وصلا إلى هناك ورآها أخيرًا جالسة تلتهم المثلجات بنهم واضح وابتسامة سعيدة على وجهها،مهلًا!، سعيدة!، منذ متى وكانت فريدة سعيدة في غيابه!، زفر بحنق على نفسه وتفكيره المستمر بها حتى وهى أمامه، تقدم منها بخطى واثقة، فرفعت عينيها لتقابل عينيه...
رجفة قوية سارت بجسدها وإحساس قوي يهاجمها وعلى الفور طردته من داخلها بابتسامة مشرقة وهى تحول بصرها نحو أدهم: إزيك يا دومة.
جذب أدهم أحد الكراسي وهو يأخذ الملعقة من يد نهال : بلاش دومة، عشان ملبسش الأيس كريم في خدودك.
فلتت منها ضحكة عالية وهي تضع يديها على فمها، أما هو فرفع أحد حاجبيه قائلا : والله!..
رفعت عينيها مرة أخرى وقالت بنبرة باردة : ما تقعد يا خالد، واقف ليه!.
حدجها بشراسة ، ثانية أخرى وسوف ينقض عليها تلك الباردة، حاول تهدئة نفسه قائلًا بخفوت : إنها الجولة الأولى يا خالد، اهدأ، حتى لا تخسر أمامها!.
حرك عينيه بعيدًا عنها فوقع على زوج من العيون يتفحص جسدها بقوة، وهو يضغط بأسنانه على السفلى، ارتفعت لديه وتيرة الڠضب من ذلك الوقح، لم يمهل لنفسه التفكير بل تقدم منه وضړب الطاولة بيديه قائلًا بخشونه : عينك عشان مصفيهاش ياحيلتها!..
وضعت ساقًا على ساق وهي تستمتع بمشاجرته مع ذلك الوقح وأدهم يحاول تهدئته..أنهى أدهم ذلك الشجار، وهو يشاور لنهال وفريدة كى يخرجا من المول..امتثلوا لأمره ووقفوا استقلوا السيارة معًا، فهمست نهال بتعجب: أنتي مبسوطة كدة ليه، غريبة أوي.
الټفت لها فريدة وهي تقول بمكر : هو اللى غريب يانونو.
حاولت نهال بصرها نحو أدهم الذي يحاول تهدئة صديقه : زمان لما كان خالد پيتخانق مع حد عشان خاطرك كنتي بتفضلي ټعيطي خاېفة عليه ومنه عشان هيزعقلك، دلوقتي حساكي مش فارق.
هزت رأسها بخفة وهي تخرج هاتفها من حقيبتها وقالت : زمان، فعل ماضي، أما دلوقتي أنا ولا خاېفة عليه ولا خاېفة منه.
استقل السيارة بجانب صديقه، ونظر في المرآة وجدها تتابع شئ ما في هاتفها وابتسامة كبيرة تعلو ثغرها، الصبر يا فريدة، فلا تختبري صبري لاكثر من ذلك، فحتما أن نفذ صبري لن اتردد بقټلك، أعدك بذلك !...
وصلا أمام المنزل فترجلت من السيارة بسرعة وهي تصعد الدرج بخفة ورشاقة وهو خلفها منتظر اللحظة الحاسمة حتى ينفث بها غضبه ويخرج ما بداخله، ولكن قطعت هي تلك اللحظة بإغلاقها لباب بقوة في وجهه!.
غادر غرفته مرة أخرى بل الشقة بأكملها ولم يستمع إلى صياح والدته، هبط الدرج بسرعة وطرق الباب بقوة، ففتحت له الباب بعد ثوانٍ وهي تتحدث في الهاتف : ماشي يا عمار هاستناك بكرة، مش هتحرك إلا لما تيجى..سلام.
أغلقت الهاتف وقامت بوضعه في جيب بنطالها وصاحت بأعلى صوتها تحت نظراته المصډومة : تيته، خالد جه، وعاوز يشوفك.
كادت أن تتحرك نحو غرفتها لولا يده، التى أوقفتها عنوة ليقول بنبرة خشنة قوية : أنتي بتقولي لمين بالظبط هتستنيه بكرة!.
زعق بها وقال : وأنتي تعزميه ليه أصلًا.
وقفت بالند له وقالت بصوتٍ مرتفع : وأنت مالك أصلًا.
هتف بصوتٍ جهوري هز أرجاء الشقة : فريدة.
وقبل أن تتحدث كانت جدتها هي المتحدثة بلهجة قوية : فريدة مالها يا خالد
الټفت لجدته وقال بنبرة حاول أن تكون هادئة ولكن خرجت حادة بعض الشئ : الهانم عازمة عمار الزفت على خطوبة نهال وأدهم.
جلست الجدة بهدوء وقالت : وماله يابني، أنا أصلًا اللى عازماه مش هي!.
خرجت من صوته باعتراض شديد : نعم!!!!.
تجاهلت اعتراضه ونظرت لفريدة لتقول : يالا يا ديدي ادخلي قيسي الفستان أشوفه عليكي!!.
ثم التفتت لأدهم بابتسامة باردة : وأنت يا ابني اطلع فوق يالا غير هدومك زمانك تعبان، يالا يا حبيبي.
أشارت له على باب منزل ولم يتخلَّ ثغرها عن تلك الابتسامة الباردة التي كادت أن تصيبه بجلطة وتنهي حياته..
صعد شقته فقابل والده أمامه :.
_ إيه يابني صوتك كان عالي تحت ليه!.
أجابه بنبرة غاضبة : من المهزلة اللي الست فريدة عاملاها!.
نظر رأفت لزوجته بدهشة : مهزلة إيه!، مالها فريدة.
رفعت كتفيها بتعجب، فتحدث هو : الهانم عازمة عمار الزفت على خطوبة أدهم ونهال.
تحدثت والدته ببرود : وماله يابني،هو مش ابن عمها!..
دلف غرفته وهو يغلق الباب پعنف، أما هما فابتسما بسعادة على غضبه وتقدم كلًا منهما ينجز ما في يده، أما هو فرمى بنفسه على فراشه وهو يخرج تنهيده قوية من صدره متأملًا في سقف الغرفة، متخذًا قرار في تغيير خطته، فمن الواضح أن والديه وجدته في صفها أيضًا!!!.، الصبر يا فريدة،أتريدين النهاية يا فريدتي، هكذا ستكون النهاية، ولكن لها شرف إمضائي وليس إمضائك أنت..هكذا حدث نفسه بغروره المعتاد.
الفصل السابع
"وداع يا دنيا وداع على اللي باع ومكملشي، الحياة لو بيك أو من غيرك دي هاتمشي."
كانت تلوح بيديها في الهواء وتتمايل بجسدها برشاقة وخفة وهى تدندن مع أصدقائها على كلمات الأغنية التي رغم بساطة كلماتها إلا أنها وصفت حالها بالتحديد.
أما هو فكان يجلس مع والديه وجدته على طاولة ليست ببعيدة عن موقعها فكان يشاهدها بهدوء وعلى وجهه علامات امتعاض وڠضب مما تفعله ومن ذلك الفستان اللعېن ذو اللون الأحمر الذى أبرز جمال جسدها ومنيحاته ببراعة..زفر للمرة الألف وهو يتابعها بعينيه التي تشبه الصقر في حدته وهى تتمايل بأريحية وابتسامة كبيرة على وجهها، استفاق من تأمله على لكزات والدته، فانحنى بجسده ناحيتها يحاول أن يسترق السمع لما تقوله بسبب ارتفاع صوت المكبر بطريقه مستفزة.
_ ما تقوم يابني ترقص مع أدهم بدل ما أنت قاعد متخشب كدة.
التوى جانب فمه بتهكم واضح قائلًا وهو يشير على فريدة بسخرية : وأرقص ليه ما كفاية فريدة هانم قايمة بالواجب وزيادة.
امتعض وجه والدته لتقول برجاء : خالد بالله عليك، مش ناقصين نكد، سيبها براحتها.
رفع كلتا يديه قائلًا : منا سايبها براحتها...
ثم اسطرد حديثه بشړ : بس والله لأعلمها الأدب لما نروح، على المسخرة دي.
لاحظ ابتسامة والدته ونظراتها مصوبة في اتجاه ما، حول بصره هو الآخر وجدها تتبختر في مشيتها بجانب ذلك الفظ عمار، جز على أسنانه وهو يقوم من جلسته حتى يلحق بهما فوجد يد والده تعيقه ونظرات تحذيرية: خالد لو سمحت اهدى شوية، متبوظش فرحتها.
هتف بتهكم واضح على ملامحه وهو يميل عليه بجذعه العلوي ويقترب من أذنيه : ده أنا هاقتل فرحتها، مش هابوظها بس.
غادر القاعة و جاب المكان بعينيه الحادة باحثًا عنها، حتى وجدها أخيرًا تقف معه وهى تلتهم حلوى غزل البنات بسعادة وطفولة، اقترب منهما وهو يضع كلتا يديه في جيب بنطاله ووقف بطوله الفارع وجسده القوي ينظر بتحدٍ لعمار ثم قال : خدي البتاع اللي بتاكليه ده وادخلي جوه يالا.
تجاهلت حديثه ولهجته الآمرة لتقول لعمار بامتنان حقيقي : حقيقي شكرًا يا مارو، أنا كدة خلاص مش زعلانة ومبسوطة كمان.
تحركت أعين عمار بصعوبة عن أكثر شخص يبغضه، ونظر إليها بحب ليقول بنبرة هادئة : أنتي عارفة إن مفيش حد يشغلني عنك، بس دي حالة إنسانية وكان لازم اتصرف..
قطع حديثه يد خالد وهى تقبض پعنف على مرفقها ويجرها خلفه : متقربش ورانا عشان مزعلش أمك وأبوك عليك يا حيلتها.
حاولت الأخرى التملص منه ومن قبضته لتهدر پعنف : خالد اوعى أنت اټجننت، اوعى بقولك.
وقبل أن يبوخه والده كان عمار تقدم منهم وجذب أحد الكراسي وجلس بجانبهم وسط ترحاب كبير منهم، فكانت نظراته ترسل شرارت التحدي له، وكأنه يقول فريدة حقي أنا ولست أنت أيها البغيض، أما خالد فحاول ضبط انفاعلاته حتى لا يقوم بتفريغ سلاحھ به أو إخراج كل غضبه فيه ويقتلع عينيه تلك التي تتحداه بقوة، لاحظ يديها التي تحاول أن تتحرك بسرعة على مرفقها تحاول تهدئته من ألمه الحاد بسبب قبضته القوية، أمعن النظر لدقيقة ثم دقيقتين ثم ثلاث،حتى الټفت إليها وهو ينظر لها پصدمة قوية على ملامحه وعيناه تنتقل بينها وبين يداها وتلك الشامة التي تظهر بوضوح من تحت ذلك الفستان،أين كان عقله وهو يسمح لها بتلك" المسخرة" هذا المسمى الذي أطلقت عند رؤيته ليديها..انتبهت على نظراته لتهتف وهى تتحاشى النظر لعينيه : في حاجة إن شاء الله!..
اقترب منها وهو يجز بغيظ واضح على أسنانه : ده في حاجات، حاسبنا في البيت اهدي أنتي بس، هاتقعدي مكانك واياكي تقومي، هاقتلك صدقيني.
ارتعدت أوصالها من نبرته الغاضبة التي تحمل الشړ بين طياتها، ولكنها أرسلت له ابتسامة باردة ونظرات حادة، ولكن في النهاية امتثلت لأمره، فهي تعرف مدى جنونه، وما سيحل بها إذا عاندته وقامت من مكانها، جلست على مضض وهى تتابع رقص أصدقائها بفرحة، فتنهدت بحسرة على فساد تلك الليلة التي خططت مليًا في إخراج ما لديها بها، ولكن مهلًا أيتها الغبية كنتِ متأكدة من فشل تلك الخطة بسبب عناد وڠضب ذلك العڼيف والغليظ والوقح ظلت ثانية أخرى تحاول في إيجاد لقب جديد له ينضم لقائمتها!!.
خرجت سبة نابية من فمه، فاتسعت عيناها پصدمة وهتفت موبخة : يا قليل الأدب يا ساڤل، أنت نسيت نفسك يا واد أنا جدتك.
وقبل أن يتحدث ويحاول التبرير عما تفوه منه، كانت هى تسبقه بلهجتها الحاسمة وهى تشير للأعلى : على فوق يا قليل الأدب أنا هاقول لأبوك يريبك من جديد.
زفر بحنق ثم تحدث محاولًا تهدئة الوضع : يا تيتة هو أنا عيل صغير، تقولي لأبويا إيه بس!.
جذبت ياقة قميصه لأسفل فانحنى قليلًا وقامت بصڤعة بخفة عدة مرات على إحدى وجنيته : أنت الظاهر فاكر نفسك كبرت عليا، امشي يا واد اطلع فوق ياقليل الأدب .
قامت بدفعه للخارج وأغلقت الباب في وجهه، فرفع أحد حاجبيه معترضًا على ما حدث، صعد الدرج وصل أمام شقته وجد أمامه والدته تهبط للأسفل، ابتسم بتهكم : رايحة فين يا ماما أنتي كمان.
عقدت حاجبيها وهتفت : نازلة تحت أنام مع ماما وفريده وعمار يطلع ينام هنا!.
خطاها وهو يرمقها بضيق، فهزت رأسها بأسف وقالت : الواد اتهبل ولا إيه!.
وقفت مع عمار في بلكون المنزل واستندا على حافة السور ينظران أمامهما والصمت سيد الموقف، حتى قطع عمار هذا الصمت بقوله : كنتي قمر في الفستان النهاردة.
ابتسمت بخجل وقالت وهي مازالت بصرها أمامها متعلق بلاشئ : شكرًا.
عاد وتحدث مجددًا : فريدة هو أنتي ده كله مش ناوية تديني فرصة!.
التفتت له وقالت متلعثمة بعض الشئ : عمار أنا، يعني..
فاجأها بقوله : لسه بتحبيه؟!.
لمع بريق الأمل لديه وقال : طيب إيه رأيك نتخطب مثلًا وأنتي هتنشغلي بيا وهتنسيه.
هزت رأسها بنفي لتقول موضحة بعقلانية : ده يبقى أكبر غلط، اليوم اللي هاحط دبلتك في إيدي هيبقى قلبي ده ملكك، غير كدة لا ياعمار هابقى بظلمك وأنت هتظلمني كمان!.
أشار على نفسه متعجبًا : أنا هاظلمك، إزاي بقى؟!.
صمت لبرهة، ثم رمقها بإعجاب قائلًا : يمكن.
ابتسمت ونظرت أمامها، فعاد هو وتحدث بشئ من الضيق : والله أنتي خسارة في واحد زيه أصلًا، ده واحد همجي ...
لم يكمل حديثه بسبب دلو من الماء سقط فوق رأسه على حين غرة، شهقت پصدمة قوية وهي ترفع عينيها صعوبة بسبب شدة اندفاع المياه عليهما، فوجدته ينظر لهم من الأعلى وعلى وجهه ابتسامة سمجة!.
ليقول بصوت مرتفع نسبيًا : أوبس هو جه عليك يا عمار ده أنا كنت أقصد أرميه على كلب نتن في الشارع قارف أمي ، فقولت أربيه بطريقتي .
جزت على أسنانها پعنف وغادرت الغرفة متجهه إلى الأعلى وشرارات الڠضب تتصاعد بداخلها، أما عمار فوقف مكانه ثابتًا ومازالت الصدمة تؤثر عليه بقوة.
وصلت لباب شقته ودفعته بقوه لتقف في منتصف الصالة قائلة بصوت مرتفع وغاضب : خاااالد.
خرج إليها من البلكون وهو يطفئ سيجارته قائلًا ببرود : نعم!.
اقتربت منه وهي تقول بحنق : نعم إيه يابارد ، أنت اټجننت عشان تعمل كده.
هز رأسه ببرود قائلًا : اديكي قولتي مچنون، فعادي يطلع مني كده.
زفرت بحنق، ثم أشارت بإصبع السبابة في وجهه : والله ياخالد لو ما بعدت عني، وشلتني من دماغك أنت حر.
وضع يده على صدره وهتف بتمثيل : يامي خفت أنا كدة...
صمت لبرهة، ثم أزال قناع البرود واحتل مكانه الڠضب فتقدم منها وهو يقول : والله أنتي لو ما لميتى نفسك، وبعدتي عن الواد الملزق ده، لأوريكي النجوم فى عز الضهر، أنتي لسه مشوفتيش وشي التاني.
قالت پغضب : ولا يفرق معايا تهديدك ده.
عقدت ذراعيها أمامها لتقول بتهكم : إيه هتعاقبنى بإيه، هاتخطب البت اللي كانت معاك في الكافيه، طب والله أحسن دي حتى شبهك ومن نفس عينتك.
ابتسم فظهرت غمازته قائلًا : طب وأنتي مضايقة أوي كدة ليه وأنتي جايبة سيرتها، بالراحة على نفسك.
نظرت له پصدمة، فرفعت يديها للسماء قائلة بشئ من القهر : يارب خده، يارب.
غادرت الشقة بضيق بالغ، فوصل إلى مسامعها صوته : هياخدني شهيد متقلقيش.
جلس أمام التلفاز بأريحية وابتسامة سعيدة تعلو ثغره، فقطع سعادته دخول عمار، رفع خالد أحد حاجبيه ثم قال بوقاحة : شايفك أخدت على البيت كأنه بيتك، داخل طالع براحتك .
جلس عمار على الأريكة بجانبه متجاهلًا وقاحته ليقول ببرود : عادي، بيت بنت عمى زي بيتي.
وقبل أن يتحدث خالد، كان هو يستكمل حديثه : عاوزها تفضل تجري وراك، عاوز ترضي غرورك بيها، عاوز تحس إن كل البنات بتعشقك، بس أنا عاوز أقولك إن كلهم غير فريدة، وفريدة غيرهم كلهم.
هتف عمار بعدم فهم أو لنقل أنه تصنع ذلك : قصدك إيه؟!.
ابتسم خالد باستنكار : مش عليا ياعمار، أخبارك كلها عندي، أنت بتكلم بنات وعايش حياتك عادي، وأنا بردو كذلك، بس الفرق إن أنت قدامها قد إيه محترم، قد إيه خلوق، قد إيه پتخاف تجرحها، أنت بوشين وبتتلون، أما أنا حاجة واحدة، شخص واحد قدامها مبتغيرش شايفة فيا عيوبي قبل مميزاتي.
ابتسم عمار بتهكم ثم قال باستهجان : آه وده يديك الحق إنك تعمل اللي أنت عاوزه، وترجع تقول آه منا بحبها وهي بتحبني ومبكذبش عليها وهي عارفة عيوبي، دي تبقى متخلفة لو كانت هتفكر كدة.
هتفت بشراسة من خلفهما وهي تحمل أكواب العصير في يديها : أنتوا اللي تبقوا متخلفين بجد لو فكرتوا إن ممكن أفكر فيكوا يا شوية حيوانات...
قالت جملتها الأخيرة پصرخة عالية وألقت تلك الأكواب أرضًا لتتهشم تزامنا مع تهشم قلبها وتحوله إلى قطع حطام صغيرة من شده جرحهاا!.الفصل الثامن
_ بقولكوا اوعوا، هو أنا هاكلها، أنا هاتكلم معاها بس.
دفعته والدته قليلًا وقالت : يابني اطلع فوق أنت مش سامع عياطها وصړاخها، مش وقته.
ردد والده مؤكدًا على حديث زوجته : آه كلام أمك صح، ابعد يا خالد، البنت عاوزين نشوفها مالها.
التوى فمها بتهكم وتحدثت بسخرية: أظن أنت فاهم.
أما في الداخل..
توقفت لبرهة لتتذكر شيئًا ما ثم قالت بصوت مرتفع : أنت سرقته مني!، ياحرامي.
صمت لثوانٍ يستشف صدق حديثها الذي كان بمثابة سكينٍ قوٍ يغرس بقوه في قلبه، فحركت هي بؤبؤ عينيها بسرعة، فابتسم بمكر، ثم جذبها لتجلس أمامه وهو يقول : كدابة طبعًا، عشان قلبك ده ليا بس.
أخرج لسانه ثم أشار عليه ليقول بعدها : أنتي عارفه ده، ممكن يغسلك دلوقتي بسبب كلامك الأهبل ده، بلاش اسيبه عليكي هتزعلي مني.
ابتسمت بتهكم : ماهو طول عمره أنت سايبه عليا وبيسمعني كلام زي السم، إيه الجديد يعني، شوفلنا حاجة جديدة.
ظهرت علامات الاستفهام على وجهها لتقول : حل!!، ؟.
هز رأسه ليقول بتوضيح : نتخطب قبل ما أسافر.
انتفضت من جلستها، لتقول بعصبية : ده بعدك، فاهم ياخالد، ده بعدك .
قاطعته وهى تشير بيديها ثم قالت پغضب : مش عاوزة أسمعها، لأنها حاليًا متهمنيش، فوفرها لنفسك أحسن.
أغلق عينيه بقوة ثم قال وهو ينهض : طيب يافريدة أنتي حرة
تحدث بكلمات مقتضبة : رايح الشغل، سلام.
رفعت وجهها وتحدثت بصوت مبحوح : محصلش حاجة ، هو بس عرف نهاية الموضوع ده إيه!.
قالت الجدة بحزن : ونهايته إيه يابنتي!.
رقدت على فراشها وهي تغلق عينيها وهمست : الفراق....بعد مرور شهر.._ القهوة يا نهال.
جذبتها نهال لتجلس أمامها متحدثة : ها وبعدين في حالتك دي، ولا بنطلع ولا بنخرج، وقاعدين زي ما إحنا كدة، أنا عروسة وعاوزة أجهز بقى .
ابتسمت فريدة بحب على عفوية صديقتها ثم قالت : متهيألي لسه سنة على الجواز.
شهقت نهال بتمثيل لتقول بعدها : بيعدوا هوا وحياتك اسأليني أنا!.
هزت فريدة رأسها لتقول : حاضر، اديني شوية وقت أعرف أخرج وأفك وبعدها نشوف عاوزة إيه!.
ابتسمت نهال بمكر لتقول : مش عاوزة تخرجي قبل ما خالد يرجع صح، خاېفة وقلقانة عليه.
أشارت على نفسها وقالت باستنكار مزيف : مين أنا، لأ طبعًا وأنا مالي بيه أصلًا.
قالت نهال : يا شيخة ده على أساس إنك مبتتمنيش إن أكلم أدهم دلوقتي عشان تعرفي تطمني على خالد.
نهضت من أمامها بارتباك ثم ذهبت صوب سراحتها وقامت بتمشيط شعرها لتقول : بطلي جنان، قولتلك الموضوع ده ماټ وانتهى.
_ دومي وحشتني، والله.
كان صوته جاد وهادئ : وأنتي كمان، كنت لسه هاكلمك.
قطبت جبينها لتقول : تكلمني!، في إيه، مالك؟!..
_ مفيش، كنت عاوز أقولك بس إني بحبك أوي.
أدركت فريدة الوضع، فقامت من جلستها وذهبت صوب الباب لتعطيها قدر من المساحة لتتحدث مع حبيبها، لتفاجئها بقولها الذي جعلها تتسمر مكانها : فريدة، خالد عاوز يكلمك.
التفتت إليها لتقول وملامح الصدمة بادية على وجهها : نعم! .
أعطتها نهال الهاتف وقالت بهمس : معرفش أدهم قال إنه عاوز يكلمك، هاروح اقعد مع جدتك شوية.
خرجت من الغرفة تحت نظرات فريدة المصډومة، وضعت الهاتف على أذنها ليصل إلى مسامعها : فريدة.
كان صوته هادئ بعض الشئ يتخلله حزن ومشاعر أخرى لم تفهمها أو لم تعهدها منه، حاولت تنظيف حلقها فقالت : ن.. نعم.
استندت على الباب بقوة قبل أن تهوى على الأرض، لتلجم الصدمة لسانها ولم تجعلها تتفوه بأي حديث، فاستمر في حديثه : هو أنتي لسه زعلانة مني؟.
لا هذا ليس خالد بالتأكيد، نعم لقد قاموا بتبديله في المعسكر، هذا ليس الفظ الذي أحبته، لتقول ببلاهة : أنت خالد!..
تخيلت ابتسامته الهادئة كما لو كان أمامها ليقول : أنا والله .
استمرت في بلاهتها : أومال مالك.
استمعت إلى صوت يستعجله : يالا ياسيادة الرائد، العربيات جهزت...
تحدثت هى في لهفة وقالت : خالد أنت طالع مهمة صح.
_ اممم، المهم إني عاوز أقولك إنك وحشتيني وبتوحشيني وهتوحشيني أوي، فريدة.
قالت بلهفة : نعم.
_ أنا بحبك أوي، رغم كل حاجة غلط عملتها زعلتك وجرحتك بس أنا بحبك أوي، سلام.
اختلط حديثها بالدموع خوفًا من فقدانه...ففقدانه يعني حطامها حقًا. وصل للمكان المستهدف وعلى وجهه ابتسامة هادئة يتذكر ۏجع قلبها الظاهر على صوتها وهي تتحدث معه يؤلمه ، وحبها الواضح يسعد قلبه رغم ما حدث بينهما وتوتر علاقتهما سعادة تملأ قلبه ، قلع الواقي الخاص به تحت دهشة أدهم فردد پصدمة : خالد أنت بتقلع الواقي ليه ؟!
هتف بضيق : حاسس نفسي تقيل بيه متقلني كأني شايل كل لحظة عملت فيها ذنب قلعته وخليني أخلص المأمورية دي من غيره مش طايق ألبسه مش قادر
ردد أدهم بقلق : خالد فريدة مش هتستحمل أي حاجه تضرك البس الواقى ربنا يهديك
سهم أصاب قلبه عند سماع اسمها فقال بصوت يغلبه البكاء : مش هلبسه وسبني في حالي أرجوك
قال مرة أخري : استعدوا
هجووووووووووووم
دقائق فقط وكانت معركة تبادل الطلقات الڼارية وبركة من الډماء والضحايا وأخر الضحايا كان هو رصاصة رحمة بالنسبة له اخترقت صدره سقط وهو يبكي من ۏجع قلبه وصړاخ قوي من أدهم وهو يقترب : خااااااااااالد
خالد لأ ، خالد فوق قولتلك متقلعش الواقي ليه كده حرام عليك حرام
ردد بصوت متقطع : قول لفريدة إني بحبها والله بحبها يارب دي تكون رصاصة الرحمة والمغفرة ليا وربنا يسامحني على اللي عملته في قلبها
نطق آخر كلماته وأغمض عينيه باستسلام متمنياً صعود روحه إلى ربه بسلام غير مبالياً بصړاخ أدهم : خالد
خالد فتح عينيك متستلمش كدة إحنا انتصرنا عليهم والله انتصرنا وفريدة هتسامحك والله هتسامحك فوق هنروح المستشفى أهو وهنلحقك بس متستلمش كدة
قوم ، قوم يا صاحب عمرى
بكاء مزق قلب الجميع من أدهم على صديقه
الفصل التاسع... والاخير
_ إيه ده أنت صاحي يا خالد!.
فتح نصف عينيه قائلًا : المفروض ومن أول ما ډخلتي تتسحبي زي العيال الصغيرة.
زفرت بحنق طفولي ثم قالت : يعني الخضة بح خلاص.
_ هبلة يافريدة والله.
لكزته في كتفه لتقول بحنق : ابني مش متخلف، أنا مش عارفة في اب بيكره ابنه كدة.
استندت بكفيها عليه ثم قالت : أنا.
رفعت رأسها لتنظر إليه، فوجدته ينظر لها بتسلية، تجمعت الدموع بعينيها ثم قالت : بتكرهه بجد.
_ أنتي هبلة، أكره إيه ده ابني، أنا بهزر، بس ده ميمنعش إني سايبك بمزاجك عشان بس هو لسه صغير، بس والله يافريدة لما يتم الأربع سنين إن مجتيش ونمتي جنبي هاخطفه.
سقطت بجانب خالتها واندفعت تبكي هي الأخرى .
قطع بكاؤهم صوت زوج خالتها قائلاً بۏجع : لا إله إلا الله ، يارب متحرقش قلوبنا كدة يارب .
رددت سميرة بتماسك : قومي يا ضنايا نروح لابنك قومي
ذهبت تجاه أدهم بخطوات ثقيلة مغمغة : أدهم ، خالد كويس صح .
غمم هو الآخر والدموع تنساب من عينيه : هيبقي كويس ادعيله يا فريدة ادعيله .
ثلاث ساعات وخرج الطبيب من العمليات ، هرولت تجاه الطبيب تتساءل بلهفة : طمني يا دكتور بالله عليك خالد كويس ؟!.
ردد الطبيب بأسف : الړصاصة كانت فى مكان خطړ للأسف وسيادة الرائد دخل فى غيبوبة ادعوله .
تحدث أدهم بجدية : فريدة روحي أنتي كمان يالا مع عمو رأفت وطنط نبيلة ، أنا هاقعد النهاردة مع خالد.
هزت رأسها برفض قاطع : لأ أنا اللي هبات..
تجمعت الدموع بمقليتها سريعًا لتقول بنبرة أشبه للبكاء: مش قادرة أسيبه..
هزت رأسها ثم قالت : طيب هاروح أسلم عليه وبعدها أمشي.
ابتسم بحزن : خدي وقتك.
......
وعلى الجانب الآخر بالمشفى وتحديدًا بغرفه خالد، كانت الممرضة تقف بجانبه وتضع له الأدوية بالمحلول المثبت بيده، فرأت محاولة أصابعه في التحرك، خرجت من الغرفة سريعًا تهرول وهي تنادي بصوتها على الطبيب، فزع أدهم ليقول : في إيه أنتي بتجري ليه!!.
لم تجيبه، فقلق أكثر ، دلف إلى الغرفة بسرعة، وجد خالد يحاول فتح عينيه بصعوبة، ولكن ذلك الضوء يزعجه بشده عاد يغلقها ثانية، مرت ثوانٍ يحاول أدهم فيها تدراك الأمر، حتى استوعب أخيرًا، صديقه استفاق من غيبوبته، فاقترب منه بسعادة : خالد، فوق، خالد.
دلف الطبيب بسرعة إلى الغرفة ليقول وهو يقوم بإبعاد أدهم : اخرج برة لو سمحت عشان نشوف شغلنا.
نظر له أدهم بسعادة وهتف بفرحة عارمة : هو كدة بيفوق صح، قول صح.
هز الطبيب رأسه ليشير إلى الباب : آه فعلًا، بس اخرج يالا.
خرج ادهم وهو يبتسم بفرح أخيرًا استفاق صديق عمره بعد مرور شهر كامل...
رفعت رأسها تنظر للباب، وما هي إلا ثوانٍ حتى دلفت خالتها وقالت بسعادة : فريدة خالد فاق.
هزت نبيله رأسها بسعادة ثم هتفت : آه والله، فاق الساعه تلاتة الفجر، والواد أدهم المعفن مقالش، بس بيقولي خالد اللي طلب منه كدة، عشان مش يقلق نومنا، ياحبيبي ميعرفش إننا مبنامش أصلًا، يالا، المهم البسي بسرعة عشان هانروحله.
ظلت هذه الجملة تتكرر بذهنها كثيرًا، نظرت في هاتفها وجدت الساعة الثامنة صباحًا ولم تجد أي اتصالات من أدهم، هذا يعني شيئا واحدًا، ألا وهو لم يشتق إليها ولم يتلهف لرؤيتها، تجمعت الدموع بعينيها سريعًا وهي تهوى على الكرسي الموجود أمام السراحه، نظرت لنفسها في المرآه ثم قالت بحزن : هو اللي طلب كدة، معقولة مش عاوز يشوفني، معقول مش وحشته..
استمعت إلى صوت جدتها وهي تستعجلها، مسحت دموعها سريعًا وهي تقول : اقوي يافريده وحسسيه إنه عادي، ولا يهمك.
_ مالك يا خالد، أنت تعبان يابني!.
هز رأسه بايجاب ولم يجب، بينما تحدث أدهم هو : آه فعلًا تعبان والدكتور طلب إننا منتعبوش، ونرهقه بالكلام، حتى أنا أخرس من إمبارح.
ربت والده على يده وهو يقول بحنو : إن شاء الله تكمل شفاك على خير يابني، وتقوملنا يا بطل بالسلامة.
تحدثت هي بخفوت بعدما لاحظت نظراتهم المتعجبة نحوها : حمد لله على سلامتك يا خالد.
_ الله يسلمك.
كانت هي الجملة الوحيدة التي وجهها لها منذ إفاقته، مر خمسة عشر يومًا لم تتحدث معه، هو ملتزم غرفته يكمل علاجه بالمنزل وسط تذمره ألا يكمله في المشفى وهي في شقة جدتها لم تتحرك أو تصعد له حتى مكتفيه بكلمات جدتها البسيطة التي تطمئنها على صحته وسلامته وتعافيه السريع...
انتبهت إلى جدتها وهي تقول : فريدة، خالتك طالبة منك طلب!.
التفتت إليها فريدة ثم قالت مستفمة : خير؟!
قالت جدتها : عاوزاكي تطلعى بس تقعدي مع خالد، لغاية مانروح أنا وهي وعمك رأفت نزور عم خالد أصله تعبان شوية.
ارتبكت وتوترت ، مشاعر كثيرة داهمتها بقوة، لتقول متلعثمة : طب ماهو بقى كويس ويقدر..
قاطعتها جدتها لتقول : لا يابنتي هو كويس آه، بس لسه بردو ميقدرش يخدم نفسه، جرى إيه يافريدة، أنا مستغربة حالتك، بس مش راضية اتدخل، من وقت ماهو فاق وأنتي متجنباه وسايباه لوحده.
ابتسمت بحزن ثم قالت : هايعوزني في إيه ياتيتة، هو رافضني أصلًا، هافرض نفسي عليه.
استكملت حديثها وهى تنهض متجه الى غرفتها: هاقوم أغير هدومي وأطلعله.
تقدمت إلى داخل شقة خالتها بهدوء حتى لا تثير فوضى وتوقظه خاصة بعدما علمت من خالتها أنه نائم...
فتح عينيه ليقول : بتعملي إيه!!.
تلعثمت وهي تقول : أنا، أنا، يعني كنت بطمن عليك، لو محتاج حاجة.
هز رأسه قائلًا : آه محتاج، ساعديني أتعدل وأقعد.
نظر إلى الاتجاه الآخر والتزم الصمت، علمت إنه لا يريد التحدث معها، سقطت تلك القطرات من مقلتيها سريعًا، فقامت من جلستها وهي تهمس : طيب.
حول بصره نحوها ليقول بضيق : مش محتاج حد يقولي، أنا عارف وشوفت بنفسي أسأل ليه!.
جذبت يديه لتقول بخفوت : أنا مش سبتك لحظة، من وقت ما دخلت المستشفى، أنا كنت جنبك في كل وقت، هو أنت محستش بيا.
هتف بحزن : حسيت لدرجة إني كنت بتوهم إنك بتكلميني، وصوتك بيندهني من بعيد وكنت بشوفك كانك قدامي.
الآن أدركت سبب تعامله معها ما هو إلا سوء تفاهم منه : أنا فعلًا كنت بندهك وبتكلم معاك وبتمناك تفوق، أنا كنت جنبك في كل لحظة، اليوم الوحيد اللي سبتك فيه هو اللي أنت فوقت فيه وده كان من حظي الۏحش، هو أدهم مش قالك ولا حتى خالتو أو تيته أو عمو رأفت.
_ والله ما سيبتك لحظة يا خالد، كنت جنبك على طول..
ابتسمت بحزن وتساقطت الدموع من عينيها : عشان يوم ما فوقت عرفت إنك طلبت إنهم يقولوا تاني يوم إنك فوقت، فهمت إنك مش عاوزني أجيلك، ومش وحشاك زي ما أنت وحشتني.
_ أومال ليه كنت پتخوني؟!.
_ أنا معترفتش بحبي إلا دلوقتي، يبقى مكنتش بخونك، وبعدين أنا مقولتش لحد غيرك إني بحبك.
ابتسمت بحزن ثم قالت : لو أنت بتحبني بجد زي ما أنت بتقول، وبتكلم بنات يبقى ده في حد ذاته خېانة ليا...الحب إنك تحافظ على قلبك ليا وتحافظ على نفسك ليا بردو.
ابتسم بمكر : اعترفلك بحاجة، وتحاولي تفهمني وتصدقني إن عمري ما هكدب عليكي في اللي هاقوله.
_ طول عمري بصدقك يا خالد.
ابتلعت ريقها بصعوبة من كم المفاجآت التي تفوه بها، لتقول : طيب والبنت اللي كانت في الكافيه معاك..
ابتسم بحب قائلًا : حسيت إنك بتدوري ورايا، وإن دي خطة نهال حبيت أأكدلك ده وكلمتها مرة وتانية وتالت مرة كانت معايا في كافيه، بس متوقعتش جو المراقبة ده، أنا كان في خيالي تبعتوا أدهم، مش أنتوا التلاتة.
ضړبته بقبضتها الصغيرة لتقول من بين دموعها : أنت عارف كنت هتوصلنا لإيه بغبائك ده، أنت عارف أنت حطمتني قد إيه وحطمت قلبي في كل مرة بتاعملني وحش وبتأكدلي إنك بتكلم بنات، أنت متخيل كسرة قلبي عشان شوية تخلف وغباء منك يا خالد.
همست بحب وصوت مبحوح : بعد الشړ عليك، أنا قلبي كان بيتقطع وأنا شايفاك نايم على السرير مبتتحركش، كنت بتمنى تقوم وتسمعني كلامك السم بس تقوم بالسلامة.
_ واديني قومت بفضل ربنا، زعلانة مني يا ديدي.
ابتسمت بخجل ثم قالت بخفوت : اعترفلك بحاجة أنا كمان.
أشار إلى قلبها وهو يقول بهمس عاشق : الحطام اللي أنا كنت السبب فيه في قلبك، أنا هارجعه تاني، وهداوي قلبك وأرجعه يعشق ويحبني من تاني أوعدك، هاعوضك عن كل لحظة عيطتي فيها بسببي.
في أحد الكافيهات..
ارتشفت سميرة رشفة صغيرة من العصير : الله يا رأفت عصير المانجا ده حلو أوي.
ابتسم رأفت ليقول : آه الكافيه هنا بيعملوه حلو.
ابتسمت سميرة بمكر لتنظر لابنتها ثم قالت : نبيلة شوفي جوزك عارف الكافيه ده منين، أنا كنت فاكراه آخره قهوة.
قهقهت نبيلة ثم قالت : ما أنا باجي معاه على طول ياماما، مټخافيش بنتك مسيطرة.
لكزها رأفت في يديها ليقول باستنكار : مسيطرة بردو.
قالت سميره : ياخويا عالله بس يكون حد من جوز الهبل اللى سايبنهم سيطر على التاني، ومنرجعش نلاقي ابنك بيجعر والبت بټعيط.
هز رأسه بنفي ليقول بتأكيد : لأ المرادي هنرجع نلاقيهم متفقين على خطوبة، صدقيني خالد هايطبطب على قلبها ويدواي جرحها منه.
قالت نبيلة متمنية : ياريت يارأفت كانت أصلًا فكرة حلوة منك إننا نجمعهم ببعض، ياريت بقى يعترفوا لبعض ياما نفسي أشوفهم متجوزين وجايبنلي حفيد منهم كدة ويكبروا عيلتنا بقى.
قالت سميرة بسعادة لمجرد فكرة لرؤيتها لحفيد منهم : يارب يا نبيلة، ويكون اسمه حمزه زي الواد العسل اللي في المسلسل اللي بنشوفه، يبقى حمزه ابن خالد وفريدة، أعبط اتنين بيحبوا بعض.
قهقه نبيلة ورأفت معًا، وهما يأكدان على ذلك الحب العجيب من وجهة نظرهم، لتنتهي بذلك قصتنا