رواية ميرا الفصول من عشرون لخمسة وعشرون
واين ذهب لين قلبها فكان الأمر يصعب عليه استيعابه فأخر شيء كان يريده هو خسارتها لذلك وجد ذاته بدلا أن يثور عليها يعاتبها قائلا
تخلصي مني يا رهف لدرجة دي أنا وحش ومتعاشرش ومشفتيش مني حاجة حلوة
لمعت عيناها بنظرة كارهة مستنفرة وأخبرته بلا اكتراث يشابه ذلك الذي لطالما اغدقها به
مبقاش فاضل شيء جوايا يتشفعلك ولا باقي عليك أنا اكتشفت إن لو في جوايا طاقة للحب فنفسي و ولادي اولآ بيها
لا يعلم لم شعر بوخزة مؤلمة بقلبه حين وجد تلك النظرة بعيناها التي تنم انها بالفعل مقتته هي من كانت تستجدي حبه وأهتمامه من كانت يمثل العالم بعيناها أصبحت الأن تمقته لدرجة أنها ستتخلى عنه وتخرج من حياته للأبد وعند تلك الفكرة وجد عقله ېصرخ مستنكرا ودفعه كي يقترب بضع خطوات منها يحاول أن يؤثر عليها ولكنها تراجعت مثلهم واشارت له بيدها هادرة بتحذير قوي
رد بنبرة تلاشت منها الحدة تماما وحل محلها الخۏف وكأنه أدرك للتو كونها جادة في قرارها
أنت لسة مراتي يا رهف بلاش تعملي كده فينا بلاش تخربي بيتنا علشان خاطر ولادنا
نفت برأسها بعدم اقتناع وردت متهكمة
غريبة دلوقتي فكرت في ولادك وفي خړاب بيتك...أنا عشت سنين بعافر لوحدي علشان أحافظ على بيتك بس أنت عمرك ما قدرت ده الذنب ذنبك لوحدك واللي زرعته بأيدك هتحصده
رمش بعينه يحاول ان يستوعب الأمر فهي محقة وهو كان على دراية تامة بذلك ولكنه كان يبرر تغاضيها وتحاملها كونه فرض عليها وحق مكتسب له لعڼ ذاته بسره ولعڼ غبائه واستهتاره بها وهدر بترقب وبعيون غامت بالحزن لتوها
رفعت منكبيها بعدم إكتراث وأخبرته دون ذرة تردد وكأنها تبدلت لآخرى غريبة عليه
مش مشكلتي...علشان أنا من هنا ورايح مش هقدم تنازلات و هعيش لولادي و لنفسي وبس
غامت عينه وهو يشعر بشعور لأول مرة يداهمه وقال بنبرة متقطعة غير مستوعبة
أنت بتقولي كده علشان واخدة على خاطرك صح... طب خلينا نقعد ونتفاهم ونوصل لحل تاني أنا متأكد أنك لسة بتحبيني وتقدري تسامحيني
مستحيل اللي كسرته جوايا مستحيل يتصلح الطلاق احسن ليا وليك بدل ما نأذي بعض اكتر من كده
ذلك اخر ما تفوهت به قبل أن تتركه وتسير لداخل البناية تاركته مشدوه ينظر لآثارها بعيون غائمة وبقلب ثائر أدرك الأن فقط أن يقينه بشأنها لم يكن بمحله فثورتها تلك لم تكن سوى لتراكمات عديدة كانت تتغاضى عنها وتتهاون من أجل ان تحيا بسلام وتحافظ على كيانها ولكن هو لم يقدر ذلك يوم بل تمادي في طغيانه. ويبدو أن قد حان الوقت كي ينال جزائه.
طرقات منتظمة على باب الشقة جعلت الصغيرة تهرول تفتح الباب لتجد سيدة تقول من طرف أنفها
ماما موجودة يا شاطرة
أجابتها طمطم وهي تتطلع لذلك الفراء الثمين التي تضعه على ذراعيها بأنبهار تام
ايوة ثوان وانديهالك هو ده فرو أيه ده حلو اوي
صدر سؤالها عفوي للغاية وببراءة كانت تتلمس بأناملها الصغيرة ملمسه مما جعل الأخرى تنفض يدها بقرف وتأمرها بشمئزاز
أففف ابعدي ايدك هتوسخيه وروحي نادي امك وخلصيني
مين يا طمطم على الباب
قالتها شهد وهي تخرج من المطبخ وتحمل بيدها مغرفة الطعام التي كانت تعده لتوها وما أن اقتربت فغر فاهها واتسعت عيناها عندما علمت هويتها وهمست بشدوه
حانت من الأخرى بسمة متعجرفة وهي ترشقها بتدني واضح وقالت بنبرة تحمل التحذير بين طياتها
أه دعاء مش هتقوليلي اتفضلي يا شهد متهيئلي في عندي كلام مهم لازم تسمعيه... ده لو عايزة مصلحة أخوك.
الثالث والعشرون
ليس كل شيء في القلب يقال لذلك خلق الله التنهيدة الدموع النوم الطويل الإبتسامة الباردة ورجف اليدين.
نزار قباني
هو ده أخر المعروف يا هانم أنت واخوك
قالتها دعاء بنزق بعدما استقبلتها شهد وادخلتها تجلس بردهة منزلها.
عقدت شهد حاجبيها وردت مستفهمة
قصدك إيه يا دعاء تعالي دوغري أنا لا بحب اللف ولا الدوران
أجابتها دعاء بغيظ
أنت عارفة أنا بتكلم عن ايه...
تنهدت شهد وضړبت على قدميها قائلة بنفاذ صبر
اللهم ما طولك يا روح ما تخلصي يا دعاء وتقوليلي سر الزيارة الغريبة وايه الكلام المهم اللي عايزة تقوليه
أجابتها دعاء بنظرة تحمل خبث مقيت
أخوك لافف على بنت جوزي و فاكرها هبلة وهيعرف يضحك عليها وياخد فلوسها بس انا عمري ما هسمحله بده
شهقت شهد وأردفت بدفاع قوي وهي تلوح بيدها
نعم قرشين أيه اللي اخويا طمعان فيهم ....حد الله يا حبيبتي بينا وبين فلوسكم
قلبت دعاء عيناها وتأففت قائلة
أففف أيه الحركات البلدي دي يا شهد هو انت مش هتتغيري ابدا
وايه اللي يغيرني إن شاء الله هو في حد بيتبرى من أصله وبعدين يا تتكلمي كلام عدل يا متتكلميش
قلبت دعاء عيناها من تلميحاتها التي تتفهم المغزى منها وردت بمسايرة
أنت اتحمقتي ليه كده هي ملهاش تفسير تاني تقدري تقوليلي واحد زيه هيبقى عايز أيه من واحدة زيها غير الفلوس
احتدت نبرة شهد وهي تجيبها
اخويا مش خسيس ومش كل الناس بتحسبها زيك يا دعاء
ضحكة صاخبة مستفزة صدرت من دعاء وتلاها قولها بنبرة هازئة
زي... مهما كانت حساباته نجوم السما اقربله منها...ومهما خطط وحاول يعلقها بيه مستحيل هيحصل أي حاجة من اللي بتحلموا بيها...اخوك لئيم يا شهد ودلوقتي بس عرفت مكنش راضي يبلغني ليه بتحركاتها علشان كانت بتبقى معظم الوقت معاه وكان فاكرني مش هكتشف المؤامرة بتاعته
زمجرت شهد وهدرت بإندفاع وبنبرة متأهبة وهي تلوح بيدها
قسم بالله لو ما لمېتي لسانك لكون شداه من بؤك ولفاك بيه...انا اخويا راجل بيفهم في الأصول ومش بتاع مؤامرات ولا الكلام الفارغ ده...وبعدين صوابعك مش شبه بعض ومش علشان انت كده يبقى كل الناس بتفكر زيك
قالت آخر جملة بإندفاع و بطريقة متهكمة قاصدة أن تذكرها بما كانت عليه قبل زواجها مما جعل دعاء تستشيط غيظا وتهب من موضعها قائلة وهي ترفع سبابتها أمام وجهها بتحذير مقيت
أنا مش هنزل لمستواك وارد عليك أنا بس جاية اقولك خلي اخوك يبعد عنها احسن له
انت بټهدديني يا دعاء وبعدين أنت بتتكلمي بأي صفة أنت ملكيش سلطة عليها
نفت دعاء بسبابتها أمام وجهها وقالت بكل خبث
ابوها مش بيكسرلي كلمة وزي الخاتم في صباعي واكيد رأيه مش هيختلف عن رأي وعلشان أنا جدعة وبحكم المعرفة القديمة اللي بينا مجبتلوش سيرة وجيت علشان اخليك تعقلي اخوك وتخليه يعرف أن نجوم السما اقرب من اللي بيخطط ليه.
ضړبت شهدكف على أخر من تسلطها المقيت و وتهميشها لشخص زوجها وهدرت بوجهها بنبرة مندفعة مفعمة بالكبرياء افحمت الآخرى
اسمعي أنت بقى... محمد مفيش أعقل منه والكلام ده سابق لأوانه وبعدين محدش عارف النصيب فين ولو ربك عايز يجمعهم هيجمعهم حتى لو أهل الأرض كلها اعترضت مشيئته بس هي اللي هتكون...
لتربع يدها وتقول بتهكم تقصدته كي ترد لها ما بدر منها في حق شقيقها
وانا برضو علشان جدعة هعمل نفسي مسمعتش حاجة منك ولا شوفتك من الاساس ده انا حتى مش هطردك من بيتي زي ما طردتي اخويا وهسيبك تمشي من نفسك
قالت آخر جملة وهي تتوجه لباب شقتها وتفتحه على مصراعيه كدعوة صريحة لها أن تغادر مما جعل دماء الآخرى تفور من شدة غيظها وتخطوا نحوها وهي تضم ذلك الفراء الثمين على جسدها و ترشقها بنظرات متعالية قائلة من طرف انفها بنبرة تحمل تحذير مقيت
كنت فاكرك هتبقي عاقلة وهتقدري الموقف بس يا خسارة طلعتي غبية ومحدش هيدفع التمن غير اخوك
لوت شهد فمها وقالت بإندفاع وبنفاذ صبر دون أن تعطي تحذيرها أي اهمية
والنبي يا دعاء الواحد عنده مرارة واحدة ومش حمل نفشة ريشك دي الله يسترك طريقك اخضر وخلصينا
جزت دعاء أضراسها بقوة من استخفافها بها وعجرفتها معها وغادرت بخطوات واسعة يتأكلها الڠضب بينما هي اغلقت الباب بعدها وجلست على اقرب مقعد
تشعر بالقلق يزحف لقلبها ولكنها طمأنت ذاتها أن ما فعلته هو الصواب فما تطلبه تلك الصفراء منها يعد مستحيل بالنسبة لها فكيف ستفعلهاوهي ذاتها من أثرت عليه كي بحبه وزرعت به الأمل للآتي بالطبع لن تخبره وستتركه ينعم بقرب مالكة قلبه فلديها يقين تام ان الله سيتكفل بكل شيء.
بعد مرور عدة أيام مروا بسلام على تلك التي تتطلع لذاتها بالمرآة وهي تبتسم بسمة راضية لهيئتها فقد وعدها اليوم أنه سيصطحبها لتناول الغداء ليروح عنها عناء المذاكرة ويجعلها تعود بطاقة جديدة لها فلم يعد إلا أيام قليلة تفصلها عنها وحقا هي كانت بأمس الحاجة لتخفيف شدة أعصابها ولذلك تحضرت بحماس شديد وانتقت أحد الفساتين