رواية منال كاملة
ألفته الزائدة بجدية بحتة وسأله بتحفظ
عايز إيه يا أنس في حوار جديد ناوي تلطني فيه معاك
رفع كفيه للأعلى مبديا ندمه وهو يبتسم بمرح
يا باشا والله أنا توبت عن المشاكل والبنت إياها إديتها بلوك ودلوقتي ماشي في السليم
لم يبد مقنعا به وقال بفم شبه ملتو
ولا ماشي مع واحدة تانية
نفى في الحال
هز رأسه معقبا بنفس النبرة الجادة
كويس أتمنى تفضل على كده مش شوية وترجع تاني
خفض أنس من ذراعيه ووضع يده على صدره قائلا
ثق فيا يا باشا
ثم مال للأمام
قليلا متسائلا بمكر
بس مقولتيش إيه اللي مفرحك
أراح عمر مرفقيه على سطح مكتبه قائلا في نبرة مزهوة
الحمد لله القيادة وافقت
مط رفيقه فمه في إعجاب ليعلق بعدها
مبروك عليك طول عمرك مصدر فخر لينا كلنا وأنا واثق إنك هتبهرنا
تنهد متابعا
ربنا المعين وأقدر أحقق نتائج كويسة
أكد له في ثقة
إنت أدها يا باشا
مش ناوي تعزمني بمناسبة الأخبار الحلوة دي
رمقه بهذه النظرة الحادة قبل أن يخبره
مش لما أخلص حقي القديم منك الأول
وماله أنا رقبتي سدادة خلي المرادي عليا
انتهز الفرصة ليبدي موافقته وهو ينهض من مقعده
وأنا مش هرد كلامك بينا
قام أنس هو الآخر من موضع جلوسه وهسهس في صوت خفيض
رغم خفوت نبرته إلا أنه استطاع سماع جملته الشاكية لذا ابتسم في انتشاء لأنه عكر صفوه بشكل ما
وقت الفراغ بالنسبة لها كان يعني تمضية المزيد من اللحظات المميزة مع رفيقاتها حيث يمكنهن التجول في المراكز التجارية المختلفة أو تناول الطعام في واحد من المطاعم المتخصصة في الوجبات الغريبة ألقت بهاء نظرة تفقدية سريعة على الحقائب المتنوعة التي تحملها في يديها قبل أن تدير رأسها نحو رفيقاتها اللاتي تباطأت خطواتهن بعد لف لمدة لا تقل عن الساعتين بين المحال المختلفة لابتياع المميز من الثياب ومنتجات العناية بالبشرة والشعر وكأن هناك مسابقة للجمال قد انضممن إليها مؤخرا
خلاص مش قادرة رجلي بتوجعني يا ريت تشوفوا مكان نقعد فيه
اقترحت عليهن بسنت وهي تشير بيدها للأمام
هناك ال Food Court
تساءلت بهاء مستعلمة
طب هنطلب إيه أكل ولا هنشرب حاجة
في التو قالت ميرا وقد اتجهت نحو أحد المقاهي الحديثة القريبة من جهتها
يا ريت نقعد في الكافيه ده ونشرب منه أي حاجة سخنة
بيبو وصلك الميل بتاع التدريب
أجابتها بهاء بإيماءة مقتضبة من رأسها
أيوه شكله هيبقى جامد أنا قريت تفاصيله مختلفة ومش زي أي حاجة حضرناها قبل كده
وافقتها الرأي وزادت عليه
دي أول مرة يعملوا النوعية دي من التدريبات
جاء تعقيبها منطقيا
علشان كده أنا متأكدة إنهم هيجيبوا أحسن ناس فيه
فتحت بسنت هاتفها المحمول لتستعرض الرسالة الإلكترونية التي وصلتها على بريدها الخاص أظهرتها لصديقتها قائلة وهي تشير نحو سطر بعينه
كاتبين إن فيه جزء عملي كمان وإنه أساسي في التقييم
ضيقت بهاء عينيها لتقرأ مجددا ما دون في الرسالة ثم أردفت بشيء من الثقة
وماله مافيش حاجة هتستعصى علينا
علقت عليها بسنت في امتعاض ظاهر
المهم نشتغل في الآخر ما يبقاش بعد الصرف ده كله نقعد في البيت
قطبت رفيقتها جبينها مخاطبة إياها
ما هو على يدك الشغل المتاح إما سكرتيرة عند مدرس مشهور يا في مكتب تخليص جمركي على أده يا إما في مكاتب تصوير وحاجات لا تذكر
هزت بسنت رأسها كنوع من التأييد لها فتابعت بهاء بنفس الجدية
والشركات المحترمة عايزة ناس عندها خبرة طب هنجيبها إزاي واحنا أصلا مش لاقيين حد يشغلنا
ثم أصبحت نبرتها أكثر حدية وهي تسألها
ولا إنتي عاجبك نشتغل في وظيفة أي كلام
حاجة أقل من قيمتنا
بلا أدنى تردد نفت بسنت وهذا التعبير المحتج يسود قسماتها
لأ طبعا
بعد لحظات كن جميعا يجلسن حول طاولة شاغرة قمن بوضع مشترياتهن أرضا وبدأن في استعراض قائمة المشروبات بشيء من الحيرة استطردت ميرا متحدثة أولا
هتطلبوا إيه يا بنات
ردت عليها بسنت بتحير
مش عارفة أول مرة أجرب الأعدة هنا
اختطفت بهاء قائمة المشروبات من يدها وقالت في ثقة معهودة بها
هاتي المنيو وأنا هجيبلكم حاجة حلوة على ذوقي
لم تبد أيا منهن أدنى معارضة وتركن لها مهمة اختيار ما قد يرضي أذواقهن المتباينة فتحركت من فورها صوب عامل الكاشير لتطلب ما وجدته مناسبا وفق ذوقها المميز
كعادته تفادى نظرات الإعجاب التي يستطيع تبينها وقراءتها بسهولة كلما مر بجمع من النساء فوجوههن مع حركة أعينهن المنبهرة بجانب تعليقاتهن الهامسة تفضح تأثير حضور عليهن ورغم ذلك لم يكن يشعر بالرضا عن حاله بل بدا الأمر وكأنه تحت وطأة من الضغط والإحراج لهذا كان لا يحبذ التواجد في الأماكن العامة أو التي تشتهر بالزحام انعكس العبوس على محيا عمر
ما كنا روحنا أي كافيه عادي وخلاص لازم يعني هنا
استدار أنس برأسه ليتابع سير إحداهن وهي تتغندر في مشيتها قائلا
يا باشا المزز الحلوين كلهم بيجوا في الأماكن دي
لكزه عمر في جانب ذراعه قبل أن يوبخه
مش إنت توبت يا ابني ولا أنا غلطان
حمحم مرددا مبتسما ابتسامة عريضة
أيوه طبعا بس ده لا يمنع إني أمتع عيني بالحلويات والجمال الرباني
بدا غير راض عن سلوكياته المتجاوزة فلوى ثغره مدمدما بتهكم
شكلك من اللي بيضحك عليهم بسهولة ده كلهم يا نافخين يا ضاربين الشغل
أطلق ضحكة قصيرة ليضيف بعدها بابتهاج غريب
وماله هما بيعملوا ده كله ليه مش علشان احنا نتبسط ونكون راضيين عنهم خلينا نقدر تعبهم ده
بلهجة محذرة تكلم عمر وهو يشير إليه بسبابته
مش هترتاح إلا لما تقع على جدور رقبتك
رفع كفه للأعلى معترضا عليه
مش أنا يا باشا
في غير صبر قال عمر وهو يطوي ذراعي نظارته الشمسية ليعلقها في الزر العلوي لقميصه السماوي الذي يبرز انتفاخ عضلاته
طب شوف هتقعدنا فين
أشار أنس بيده نحو أحد الأماكن هاتفا بنبرة متحمسة
الكافيه ده ممتاز
ثم خفض من نبرته مكملا بابتسامة لعوب
وفيه طراوة وحلاوة ما تتوصفش
فهم ما يرمي إليه فرسم ذلك التعبير الجاد على تقاسيمه معقبا
قولتلي بقى
لم يتركه عمر يهنأ باختياره حيث جذبه من كتفه بخشونة طفيفة ليأمره في لهجة صارمة لا ترد
خلينا نقعد جوا علشان عينك الزايغة دي
تنهد مليا وهو يقول مستسلما دون أن يبعد عينيه عن إحداهن
أوامر معاليك
كادت تمضي لحظاتها اللطيفة مع رفيقاتها بسلاسة ويسر لولا أن تعثرت بغير قصد في مشيتها أثناء حملها لأكواب المشروبات الساخنة التي ابتاعتها لهن فقذفت بها نحو ذلك الجالس على مسافة قريبة منها فانتفض فزعا وقام واقفا ليلقي نظرة تفقدية على بنطاله الأزرق وكذلك قميصه الفاتح تنفس الصعداء لأن ثيابه لم تطلخ أو تتسخ على الإطلاق على الفور بادرت بهاء بالاعتذار الشديد
أنا أسفة جدا والله مقصدش ده حصل ڠصب عني
دون أن ينظر ناحيتها رد عمر في تفهم
حصل خير
سرعان ما ارتفع حاجباها للأعلى في ذهول عندما رأت ملامحه المألوفة بينما تعكرت تعبيراته وانتشر فيها عبوسا جليا عندما أبصرها انقلبت سحنته وهاجمها بتحفز مبرر
إنتي تاني
هذه المرة اصطدامها به كان بلا قصد ومع ذلك لم يقبل بسماع أي تفسيرات منها وواصل مهاجمتها لفظيا بنبرة مسموعة لمن حولها
يعني
أعمل إيه علشان تحلي عن سكتي وتبطلي تبهدليني!!
استشاطت حنقا من تعنيفه الزائد وهتفت في تعصب وهي تستخدم يدها في التلويح إليه
ما تزعقش قولتلك ما شوفتكش عايز تصدق براحتك مش عايز إنت حر!
تدخل أنس في الحوار محاولا تلطيف الأجواء
خلاص يا جماعة أكيد ده مش مقصود يعني
على إثر أصوات الجدال المحتدمة تجمع من في المكان حولهم لتظهر ميرا في الوسط وهي تتساءل بتحير
هو في إيه
ما لبث أن التقطت عيناها وجه أنس فغامت نظرتها نحوه وكسا وجهها وجوما عظيما ليبدو مثلها مندهشا لرؤيتها ومناديا باسمها
ميرا!
صاحت تنذره في حمئة
ما تنطقش باسمي يا كداب يا بتاع التلات ورقات!
دنا منها محاولا تبرير موقفه السابق والمخزي معها
اسمعي بس
أخذت بهاء الأمر شخصيا واعتبرته غريمها فاعترضت طريقه وهدرت به بغلظة مستخدمة يدها في الإشارة إليه
ابعد عنها
رد محتجا عليها
أنا عايزة أكلمها بس
أرجعتها إحدى الشابات للوراء حتى تتجنب الصدام معه في حين ظلت بهاء تسد عليه الطريق وهي لا تزال تحذره
عارف لو فكرت تقرب منها تاني أنا هقفلك وهبهدلك كمان!
اغتاظ من معاداتها المبالغ فيها وسألها في استهجان ونظرة حادة مسددة إليها
مين إنتي أصلا علشان تتكلمي بلسانها ولية أمرها وأنا معرفش!!
رمقته بنظرة استحقارية جعلت داخله ېحترق ڠضبا قبل أن تهينه بعبارتها المتوارية
واحدة عارفة نوعيتك الغشاشة!
احمر وجهه حنقا وهدر يهددها
إنتي أد كلامك ده
لتخرسه وتلزمه عند حده نزعت غطاء زجاجة المياه الخاصة بها وقذفت بمحتوياتها في وجهه بغتة لتجمده الصدمة وټغرق كامل ثيابه تفاجأ الجميع بما فعلت وقبل أن تتصاعد الأمور أكثر وتتطور للأسوأ أسرعت بسنت بالإمساك برفيقتها وشدتها من ذراعها للخلف وهي تخبرها
ليه كده بس
مسح أنس على وجهه بيده ليزيح قطرات الماء هادرا
قسما بالله لأوريكي
ردت على تهديده العلني بآخر مماثل له
لو قربت مني هعمل فيك محضر تحرش ووريني هتطلع منه إزاي
اشتاط على الأخير وراح يبادلها الټهديد
طالما محضر بمحضر خليني أعلم عليكي
لم تعبأ بنبرته المرتفعة وظلت ثابتة تتحداه
طب يالا يا راجل خليك أد كلمتك
صاح بها پغضب جم
إنتي مفكرة نفسك مين
قام عمر بتثبيته في مكانه واضعا قبضته على صدره وحال بينهما بجسده ثم طلب منه في صوت أجش
اهدى خلاص
نظرت ميرا شزرا ل أنس وتكلمت في عجرفة
تعالي يا بيبو ما يستهلش نحرق دمنا علشانه!
حينئذ هدر بها أنس صائحا بما أحرجها وجعلها في موضع مخجل
قبل بس ما تعملي فيها بنت ناس شوفي كنتي مقضياها مع كام واحد قبلي
لم تتحمل بهاء قڈف رفيقتها بمثل هذه الاټهامات المسيئة وانطلقت تجاهه هاتفة عاليا ومدفوعة بعصبيتها الهائجة قاصدة التشاجر معه يدويا
أما إنك قليل الأدب ومش محترم وأنا مش هسكتلك
ابعد عني إنت كمان سيبني!
رجاها في ضيق بعدما حررها
امشي لو سمحتي
ثم وجه كلامه الآمر إلى بسنت قائلا قبل أن يعود إلى رفيقه
خدي صاحبتك المچنونة دي وامشي من هنا
اغتاظت من نعته المستفز وأرادت مواصلة الھجوم فاستمر تصيح
طالما أنا مچنونة بقى خلوني أوريكم الجنان اللي على حق
هذه المرة منعتها