رواية دعاء كاملة
بنظرها بسرعة فتأكدت انه الملف المطلوب وتأكدت من المعلومات التى سربها إليها وائل .. ومن الواضح أن فارس لم يدرس القضية كاملة حتى الان ...تركت الملف ووضعته كما هو وأنتظرته حتى خرج من الحمام وتوجه إلى الاريكة وأستلقى عليها
وقفت بجواره وقالت بخفوت ورقة
أنت شكلك مرهق أوى يا فارس تعالى نام على السرير علشان جسمك يرتاح ..
ولو كان عليا يا سيدى انا مش هنام دلوقتى
هز رأسه نفيا وقال بصوت نائما
لا متشكر روحى نامى انت ..أنا هغفل ساعة واحدة بس وهقوم أكمل شغلى
دخلت غرفتها ولكنها لم تستطع أن تنام كانت تريد ان تخلق معه اى حوار بخصوص القضية ولكنه غير مستعد للحديث على الاطلاق واى حديث الان سوف يؤدى إلى عواقب وخيمة .. تقلبت فى فراشها كثرا وهى تحاول أن تجد مخرجا ما .. لابد أن تتودد إليه بالحكمة حتى يأمنها ويتحدث معها بما يجول فى خاطره وبدون قيود ... لم تستطع النوم ابدا ظلت هكذا حتى شعرت بحركته فى الخارج فعلمت أنه استيقظ أنتظرته حتى توضأ ووقف يصلى ركعتين خفيفتين قبل أن يبدأ فى العمل ... بعد أن أنتهى أخذ الملف ووضعه على الطاوله وجلس امامه وكأنه أمام لغم يوشك ان ينفجر عند أول لمسة له ..خرجت دنيا من غرفتها وتوجهت للمطبخ مباشرة وأعدت له فنجان القهوة التى يحبها ووضعتها أمامه بابتسامة رقيقة وهى تقول
نظر إليها وهو يشعر أن هذا اليوم هو يوم المفاجات فلا داعى للتعجب من شىء بعد ذلك ... جلست أمامه واستندت على راحتيها وظلت تتابعه وهو يقرأ ويتأمل فيقف على معلومه طويلا ثم يتجاوزها إلى غيرها يتاملها برفق وكأنه يخشى فقدانها ... رفع رأسه إليها فوجدها تتامله مبتسمة فقال
منمتيش ولا أيه
قالت بعذوبة
كان قد عاهد نفسه على عدم الدهشة ولكنه لم يستطع ..رفع حاجبية ومط شفتيه بقوة ثم أعاد رأسه إلى الملف وأكمل ما كان بدا ..كانت هى تبحث عن كلمات مناسبة لا تستفزه بها وهى تسأله عن القضية حتى لا تشعره أنها تعلم شىء عنها ...تنحنحت فى خفوت ثم قالت
أومأ برأسه ببطء دون أن ينظر إليها وقال
فعلا قضية مهمة
قالت بنرة أنثوية ضعيفة
طب ما تشرحهالى يا فارس .. أنت خبره كبيرة اوى ونفسى اتعلم منك
نظر إليها ولسان حاله يقول
أى نوع من الاعاجيب يحدث فى هذا اليوم .. ما هذا الهدوء والسکينة والتعاون والتواضع هذه ليست دنيا ابدا
دى قضية متهم فيها شاب صغير پقتل واحدة بالعربية بتاعته والشهود بيقولوا انه كان قاصد وانها كانت واقفه على الرصيف اصلا وكمان التحريات بتقول انه كان يعرفها يعنى الحاډثه مش صدفه
تيقنت دنيا من كلام وائل أكثر عندما وجدت فارس يتكلم عن القضية وكأنه قد عزم رفضها قالت بحنكة
طب والمتهم أعترف ولا قال ايه
بالعكس ده صمم انه برىء وان الشهود متلفقين والتحريات متلفقة ابوه كمان لما قابلنى قال انه ليه اعداء فى السوق وجايز يكونوا ملبسين ابنه القضية
نظرت فى عينينه تكاد أن تخترقهما وتتسلل إلى عقله لتعرف فيما يفكر وماذا سيقرر وقالت وبلا مبالاة
مش جايز فعلا كده
مط شفتيه وهو يقول
كله هيتحدد لما اروح اقابل المتهم
ثم لمعت عينيه وهو ينظر امامه قائلا
انا هقدر اعرف منه هو عمل كده فعلا ولا لاء
قالت بشك
وهو يعنى هيعترفلك
أعاد رأسه إلى الاوراق مرة اخرى وهو ينهى الحديث قائلا
سيبيها على الله
كانت عزة تحضر الطعام بسرعة وتضعه فى الاطباق وتنقلها على الطاولة ضاحكة وهى ترى عمرو يلكم الوسادة بقوة مرات متتالية فتسقط الوسادة على الارض فيأخذها ويلكمها مرات أخرى ثم ېخنقها بيديه پعنف وقد تصبب عرقا فقالت وهى تجلس حول الطاولة بجواره
نفسى أعرف بتعمل ايه
ألتفت إليها وهو يمسح العرق عن جبينه وقال وهو يلهث
بتمرن عندى ماتش ملاكمة
ضحكت مرة أخرى وقالت
أول مرة اعرف انهم بيخنقوا بعض فى الملاكمة
هز رأسه نفيا وهو يتناول الملعقة قائلا
لا ده مش علشان الملاكمة.. ده علشان لو واحد ضايقنى أخنقه وأخلص منه
وضعت كوب المياه أمامه وهى تقول
وهتلاعب مين بقى.. تايسون
نظر لها بطرف عينيه مازحا وهو يقول
بتقولى فيها .. أنا فعلا هلاعب بلال تايسون
نظرت إليه بدهشة وقالت
أيه ده بجد والله ..هى دى مسابقة ولا ايه
وضع الطعام فى فمه وقال
لا يا بنتى مسابقة أيه.. أصلا بلال هو اللى بيمرنى انا وفارس فى مركز الشباب اللى جانبنا
استندت بذقنها على راحة يدها وهى تقول
أنا نفسى الاقى حاجة واحدة الدكتور بلال مبيعرفش يعملها.. حتى الملاكمة هو اللى بيمرنكوا
ضربها على كتفها بخفة وهو يقول بحنق
ايه يا ماما مالك معجبة بيه كده ليه .. طب بكره هتشوفى هكسرهم هما الاتنين على حلبة المصارعة
نظرت له بدهشة وقالت
هى مصارعة ولا ملاكمة
وضع قطعة من اللحم فى فمها وهو يقول
كلى وانت ساكتة
صمتت قليلا وهى تنظر له باضطراب ثم تشجعت وقالت
عمرو أنا لازم اروح لدكتورة علشان موضوع الحمل
وضع الملعقة فى طبقة ونظر لها معاتبا وقال
احنا مش اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده وقلنا نسيبه على ربنا
أسندت وجنتها على راحة يدها وقالت
أحنا متفقناش.. أنت اللى قررت وانا اضطريت اوافق انا مش عارفه انت ليه مش مهتم
أخذ كفها من تحت وجنتها ووضعه بين راحتيه وقال بهدوء
مش عاوز حاجة تشغلك عنى وعن اهتمامك بيا لوحدى.. ومدام التاخير جاى من عند ربنا لوحده يبقى خلاص
حاولت أن تعترض قال
أنت مش عارفة يا حبيبتى انا محتاج اهتمامك بيا قد أيه.. ومش عارفة أن تفرغك ليا بيحمينى من حاجات شكلها ايه
قالت بقلق
تقصد ايه
قبل يدها وقال مبتسما
مش قصدى حاجة.. كل الحكاية انى عاوزك تفضيلى .. أنا وبس ..وأنا ممنعتكيش من الخلفة ..ووقت ما ربنا يأذن هتحملى ..بلاش نستعجل
دخل فارس مكتبه مساءا فوجد الرجل صاحب القضية فى انتظاره.. صافحه معتذرا عن
التأخير وأشار إليه بالجلوس ..جلس الرجل ثم نهض مرة أخرى ووضع أمام فارس الاوراق التى طلبها ووضع فوقهم شيك بالأتعاب ..نظر فارس إلى المبلغ المدون أمامه ثم رفع رأسه للرجل وقال
أنا قلت لحضرتك انى مش هقبل أى حاجة إلا لما اقابل المتهم بعد كده هقرر وبعدين المبلغ ده كبير أوى
قال الرجل بسرعة وبصوت يشبه البكاء
فلوس الدنيا كلها فدى ابنى وبعدين انا متفائل ان شاء الله لما تقابله هتتاكد أنه برىء أنا متأكد
نظر إليه فارس بإشفاق ومد يده بالشيك قائلا بحسم
معلش حضرتك خده ولو وافقت نبقى نتكلم فى حكاية الاتعاب دى بعدين ...أنا هروحله بكره على طول ان شاء الله يعنى الموضوع مش هيتاخر كتير
خرج الرجل من حجرة فارس وقبل أن يخرج من المكتب الخارجى تفاجأ بدنيا التى أقتربت منه بتمهل وقالت
متقلقش يا فندم ان شاء الله خير
رفع الرجل يده إلى السماء وهو يقول بضعف
ربنا يسمع منك يابنتى
اقترب وائل منهما وقال للرجل مقدما له دنيا قائلا
دى الأستاذة دنيا مرات الدكتور فارس ومحامية معانا هنا
قالت دنيا باهتمام
أمبارح الدكتور فارس سهر على القضية للفجر وتقريبا شبه موافق عليها يعنى حكاية المقابلة دى مسألة شكلية مش أكتر
نظر لها الرجل بتأثر وقال بامتنان
حقيقى يا أستاذة ... مش عارف اقولك ايه طمنتينى ربنا يطمن قلبك
قالت مؤكدة
إن شاء الله لما يرجع من الزيارة انا اللى هكلم حضرتك وأحدد مع حضرتك الأتعاب والمعاد اللى حضرتك هتجيلوا فيه
غادر الرجل بعد أن تأكد أن قضيته قد قبلت بالفعل فها هى زوجته تؤكد له أنه بدا العمل بها فعلا ...دخلت دنيا حجرتها بعصبية وقلق والتفتت إلى وائل الذى تبعها وقالت
وبعدين يا وائل.. أنا قلقانه أوى .. أنا كل ده ولسه مش عارفة أيه اللى هيحصل .. نفرض رفضها فعلا
قال وائل بثقة
الأستاذ باسم مستنى منك مكالمة.. بعد ما تعرفى قرار الدكتور فارس وساعتها هيقولك هيعمل ايه بالظبط.
أطل بلال برأسة داخل مصلاها الصغير الذى أتخذته منذ زواجها مصلى خاص بها فى أحد أركان المنزل الصغيرة فوجدها تسبح بعد انتهاءها لتوها من صلاة الفجر .. أزاح الستار الذى وضعته عليه ليعطى الركن شىء من الخصوصية فلا يدخله أحدا سواها ولا يعبث أحد بمكتبتها الصغيرة فيه ..أقترب منها وجلس بجوارها . ألتفتت إليه بابتسامة عذبة فأخذ كفها فى يده ثم أكمل تسبيحه على أصابعها .. نظرت له بحب جارف وهو يسبح على أصابعها وفى كل تسبيحة يزداد حبه بقلبها وتتعلق به أكثر وأكثر ..رفعت يدها الأخرى ومررت أناملها على لحيته وخللت أصابعها برفق داخلها فنظر لها وابتسم وأكمل التسبيح عليها . وقال بخفوت
لسه صاحية لغاية دلوقتى ليه مش قلتى هصلى وانام
بادلته همسا بهمس وهى تقول پسكينة
كل مرة بقول أذكار الصباح فى السرير بتروح عليا نومه قبل ما اخلصها فقلت اقولها هنا علشان كمان ابقى مركزة فيها ...
ثم أردفت متسائلة
مش قلت هتدى درس بعد الصلاة
ظهر الحزن على وجهه وهو يقول
درس الفجر أتمنع هو كمان مع الاسف
ثم أردف متهكما بسخرية حزينة
الرقاصة فى الكباريهات محدش بيقدر يمنعها من اللى بتعمله لكن أحنا لما نيجى نتكلم عن الله يمنعونا ويقفلوا المساجد بعد الصلاة على طول
ربتت على وجنته وقالت بهدوء
متزعلش نفسك كده يا حبيبى أنت ناسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال
0 بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء
نظر لها وأطل الأسى من عينيه قائلا
أحنا بقينا غرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها
حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة
قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو
أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال
ناوى أدشدشهم طبعا
تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة
أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير
خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلا
فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده !
طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا
قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبه ويأخذ هاتفه واتجه خارج مكتبة .. أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فالټفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مطرقا برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس
أقعد يا هانى
جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسه أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس مليا وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحه الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبدا على العكس تماما وجهه فيه