الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رواية دعاء كاملة

انت في الصفحة 26 من 66 صفحات

موقع أيام نيوز

من قبل ... أبتعدت مهرة قليلا وهى ممسكة بيد أم فارس وقالت بهيستيرية 
لازم نعمل المستحيل ونروح نشوفه يا ماما
أبتسمت أم فارس وهى تستمع لتلك الكلمة من فمها لأول مرة وقالت 
يابنتى الحمد لله اننا عرفنا مكانه وأنه بخير هو وصحابه الحمد لله.. مش عارفة بقى حكاية الزيارة دى هتنفع ولا لاء وهنعملها ازاى ...
صمتت قليلا ثم قالت 
انا هتصل ب دنيا علشان ابلغها الأخبار الحلوة دى .. وأكيد هى مش هتسكت وهتحاول تروحله وساعتها تبقى تاخدنا معاها ..
هرولت مهرة إلى الهاتف وهى تقول بلهفة 
طب يا ماما كلميها دلوقتى مش لازم نضيع وقت
أخذت أم فارس الهاتف وقصت عليها ماحدث مما جعل دنيا تبتلع ريقها بصعوبة واستشعرت الخۏف من احتمالية خروج فارس بهذه السرعة فالقضية ما زال أمامها شهرين على الأقل قبل النطق بالحكم سمعت أم فارس وهى تقطع عليها أفكارها فقالت 
ايوا معاكى .. طيب انا هشوف الحكاية دى وابلغك بالتطورات قريب أوى ان شاء الله.. أنا هقفل دلوقتى علشان معايا شغل مهم ..
أغلقت أم فارس الهاتف وهى تنظر له مندهشة وتقول متعجبة
غريبة أوى .. كنت فكراها هتطير من الفرحة مش عارفة كلمتنى كده ليه أنا قلبى مش مطمن 
قالت مهرة بسرعة 
خلاص يا ماما متزعليش نفسك انا هحاول مع علاء تانى
نظرت لها أم فارس غير راضية وقالت باستنكار 
لاء مش عاوزين منه حاجة.. مش كفاية اللى عملوا فيكى قبل كده.. هترجعى تتذليلوا تانى
نظرت أمامها بشرود وهى تقول بخفوت 
زى بعضه تانى وتالت كله فداهم
وضعت أم يحيى أكواب الشاى أمام علاء ومهرة وهى تقول برجاء
معلش يا علاء علشان خاطرى انا حاول
هز علاء رأسه نفيا وهو ينظر إلى عينيى مهرة الراجية ويقول 
كله إلا سمعتى مقدرش أنا نجم ولو سمعتى حصلها خدش واحد موهبتى مش هتنفعنى
نظر له يحيى بإزدراء لأول مرة يراه على حقيقته زال الأنبهار الذى كان يشعر به تجاهه وقال بنفور 
كل ده ميجيش حاجة قدام حياة تلاتة كنا بنعتبرهم مثلنا الأعلى 
نظر له علاء متهكما وقال بسخرية 
مثلك الاعلى أنت مش أنا
شعرت مهرة ببغض شديد تجاهه وهى تتبادل النظرات المعاتبة مع والدتها وهى تقول موجهة الحديث إليه 
والدكتور بلال ميخصكش هو كمان.. مش ده كان ليه فضل عليك بعد ربنا
وضع علاء كوب الشاى بعصبية وقال 
أنا أول مرة اعرف أن لما راجل يروح يزور مراته تقعد تكلمه على رجالة تانين أنا لو كنت اعرف كده مكنتش جيت من أساسه ..
هب واقفا وانصرف بعصبية ..كان يشعر بوخز الضمير تجاه بلال ولكن كرهه لفارس جعله يتناسى أمرهم جميعا .. أقترب يحيى من أخته وهو يقول بأسى 
معلش يا مهرة متزعليش نفسك 
نظرت لوالدتها مرة أخرى وهى تقول 
انا مش زعلانه منه ..أنا زعلانة عليه ..اللى زى ده بيفضل طول عمره عايش لنفسه وبس ..علشان كده لما عمره هيخلص محدش حتى هيفتكر يترحم عليه.
مر شهرا كاملا ثلاثون يوما حتى تكونت صداقة بين أبطالنا الثلاث وزملائهم فى الزنزانة
حتى جاء ذلك اليوم الذى فتحت فيه بوابة زنزانتهم الحديدية معلنة عن قدوم أحد ما ... دخل الشويش المسؤل عنهم و بصوته الغليظ أشار ل عمرو قائلا 
يالا علشان هتخرج يا عمرو
هب عمرو واقفا غير مصدق لما سمع ونظر إلى بلال وفارس وقال 
طب وهما
صړخ الشاويش فيه بنبرة قاسېة 
يالا ياخويا.. هى رحلة .. أنت بس اللى هتخرج
نهض فارس وبلال عانقاه بحرارة وقد دمعت عينيه وهو يقول 
مش هسيبكوا وامشى 
أبتسم فارس وهو يدفعه فى كتفه قائلا
يالا يابنى هتعملى فيها بطل ولا أيه.. ده احنا مصدقنا حد يطلع يطمنهم علينا.. يالا ..
أمسكه بلال من كتفه قائلا بعينين دامعتين 
خلى مراتك تروح لمراتى وتطمنها عليا
ثم ابتسم وهو يردف قائلا
وعلشان تصدق انى انا اللى باعتلها الرسالة الشفوية.. دى خاليها تقولها..بلال بيقولك انت وحشتينى أوى وبضمير..
أومأ عمرو وقد حفظ رسالة بلال ونظر لفارس

الذى احتار ماذا يقول ماهى الرسالة التى يرسلها لأهله فقال 
وانا كمان روح البيت عندنا وطمنهم كلهم عليا.. وقولهم ان شاء الله اننا هنخرج احنا كمان
تقدم الشاويش وجذب عمرو من ذراعه بقسۏة وهو يصيح به 
يالا ياخويا بدل ما خاليك تكمل معاهم هنا
خرج عمرو ينظر إلى الطريق غير مصدق أنه مازال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة نظر خلفه وكأنه يرى أصدقاء محنته قابعون فى زنزانتهم يودعونه بنظراتهم الدامعة ..أخذ شهيقا كبيرا ليملأ صدره بالهواء النقى خارج حدود أسوار السجون المظلمة بما فيها من رائحة الرطوبة العفنة وأصوات المعذبين واتجه إلى أول سيارة أجرة قابلته ..لم يسال عن وجهتها كل ما كان يريده هو الأبتعاد .... الابتعاد وفقط ...
غادر عمرو سريعا وهو يتذكر تلك الليلة المظلمة التى دخل عليهم فيها ذلك الشاب متقطعة أنفاسه من كثرة الټعذيب ..تفوح منه رائحة شواء جلده من كثرة الكهرباء التى تعرض لها وكل هذا ليس لذنب اقترفه ولا ذنب ألم به سوى أنه قال لظابط أمن دولة كان يقبض على صديقه دون حق فقال له .. أتقى الله .. لم يلبث الفتى الصغير بينهم سوى دقائق ثم نطق بالشهادة بعد أن سالت دموعهم عليه تروى جرحه كما تروى السحب بامطارها حشاش الأرض.
عاد إلى شارعهم يطوى الأرض طيا .. يهرول تارة فينهكه التعب فيمشى تارة أخرى ... وقف عند بداية المنعطف ينظر إلى بداية شارعهم إلى البيوت المتلاصقة والقهوة البعيدة وهو يشعر أنه افتقد دفأهم وحمايتهم ورعايتهم لمن حولهم وهو يتسائل فى نفسه لماذا لا تكون الدنيا كلها شارعهم بقلوب أهله الطيبة ما هؤلاء البشر الذى تعامل معهم وكيف ينتمون إلى فئة البشر ...أليسوا أقرب إلى مصاصين الډماء الذين رآهم كثيرا فى الأفلام لا بل مصاصين الډماء لايقتلون بهذه البشاعة التى رآها أنما هى عضة نتيجة لاحتياجهم للدماء ..أما هؤلاء فهم يشوهون وېقتلون ويعذبون لا لشىء الا للمتعة الا للضحك على صرخات وأنين المعذبين لا لشىء الا للقتل ..لالشىء الا لكره الكرامة ومن ينادون بها ..أى بلد هذه التى لا نحيا بها كراما ..
قطعت أم فارس قراءتها للقرآن ووضعت المصحف بجوارها وهى تنادى على مهرة ... خرجت مهرة مسرعة من المطبخ فقالت لها أم فارس بوهن 
شوفى يا مهرة فى أيه فى الشارع أيه الزيطة دى
تناولت مهرة أسدال الصلاة وارتدته بسرعة وخرجت إلى الشرفة ..أتسعت عيناها وهى تنظر إلى عمرو وأهل شارعهم مجتمعين حوله مهنئين له فى جلبة شديدة فرحين به وبعودته سالما ..بحثت بعينيها سريعا بين الوجوه وقد خفق قلبها بشدة تبحث بين العيون والوجوه لاشىء ..لم يعد .. أنهمر دمعها رغما عنها ومسحته بيديها وهى تجيب نداء أم فارس وتقول بصوت متقطع 
عمرو رجع يا ماما
انهمرت دموعها مرة أخرى وهى تتمتم 
رجع لوحده
هرولت أم فارس إلى الشرفة بلهفة بحثت هى أيضا عن ولدها بين الناس فلم تجده خرجت من الشرفة متوجهة إلى باب الشقه مسرعة .. لحقتها مهرة وهى تتشبث بذراعها هاتفة 
أستنى يا ماما هتنزلى كده ازاى ..أنت بهدوم البيت
نظرت أم فارس لملابسها وهى تضع يدها على شعرها لاتعلم ماذا تفعل وكأنها مسلوبة الأرادة ..لم تنتظر مهرة كثيرا أندفعت للداخل وأحضرت لها عباءة الخروج وحجاب .. أرتدتهم بسرعة وهى واقفة على باب الشقة ولسانها يلهج بفزع
يا حبيبى يابنى.. ياترى انت فين يابنى
ألبستها مهرة حذائها سريعا والتقطت مفتاح الشقة ونزلا سويا يهرولا إلى حيث عمرو . لم تستطع عزة أن تنتظر كثيرا وهى تراه من النافذة أندفعت تفتح باب الشقة لمقابلته لا تعلم كيف كانت تقفز درجات السلم ... كان قد سبقها وصعد السلم بقفزات أسرع وأوسع منها .. وأخيرا التقيا ... تعانقا .. تعانقا بقوة واندفاع كل منهما رمى بجسده باتجاه الآخر .. البكاء هو سيد الموقف .. كانت تشهق وهى بين ذراعيه وتضمه بقوة وهى تهتف باسمه بقلبها قبل شفتاها ... أما هو فقد ضمھا إلى صدره وأغمض عينيه وهو لا يصدق أنه رآها مرة أخرى ... أسرعت أم عزة تتصل بعبير وتخبرها بالأمر .. صعد بها للأعلى وهى مازالت متعلقة به ..دخلا شقتها بين والدها ووالدتها التى هتفت
حمد لله على سلامتك يابنى
جلس على الأريكة وهو يلف كتفها بذراعه وتنفس بقوة وهو ينظر إليهم بشوق قائلا
الله يسلمكم ..
كان الباب مفتوحا ولم هناك مجالا لطرقه أندفع والده ووالدته وأخيه محمود نحوه يقبلانه ويعانقانه من بين دموعهما ثم تركوا المجال لأخيه ليعانقه بلهفة وشوق لصدر أخيه الأكبر الذى طالما استمع إليه وأرشده فى طريقه .. دخلت أم فارس بعدهم مباشرة وفى أعاقبها مهرة .. أطمئنت أم فارس عليه ونظرت له متسائلة وهى تخشى السؤال عن أبنها حتى لا يأتيها خبر مفجع ... ولكن مهرة لم تنتظر كثيرا فهى على يقين أنه بخير لو كان حدث له شىء كانت قد شعرت بذلك .. فقالت بلهفة 
فين دكتور فارس ودكتور بلال يا بشمهندس
أبتسم عمرو والجميع محيط به وهو يقول 
الحمد لله كويسين أوى وبيطمنوكوا عليهم
قالت أم فارس بلهفة بعد أن أطمئن قلبها 
مخرجوش معاك ليه
هز رأسه نفيا وهو يقول 
مش عارف.. مقدرتش اعرف حاجة خالص.. بس اطمنوا طالما انا خرجت يبقى هما كمان هيخرجوا قريب ان شاء الله ..بس هما كويسين والله وباعتين السلام ليكوا كلكوا وبيطمنوكوا
قالت أم فارس بجزع 
ازاى يابنى بس.. ده الظابط اللى جه خده قعد يقول بتعمل قنبله فى بيتك
طمئنها عمرو قائلا 
صدقينى يا طنط والله كويسين ومفيش تهمة متوجهه لحد خالص ..وكل اللى عرفناه ان فى حد هو اللى شكنا بلاغ ووصى علينا.. بس مين هو.. ده منعرفوش لحد دلوقتى ..بس متقلقوش.. أنا هفضل ورا الموضوع ده مش هسيبوا غير لما اعرف
قال كلمته والټفت إلى زوجته الجالسة بجواره ومستندة برأسها على ذراعه وقال 
أتصلى باختك وطمنيها على جوزها
خرجت أم فارس ومهرة من بيت والد عزة مطرقتان برأسيهما بحزن وأسى لا يعلمان ماذا ينتظرهما فى المستقبل .
أستندت عبير إلى ظهر سريرها وعينيها تلمع بالدموع ألتفتت إلى الوسادة الخالية بجانبها وإلى الفراغ الذى طالما كان يحتله جسده بجوارها وارتسمت على جانبى شفتاها ابتسامة حزينة وهى تتذكر الرسالة الشفوية التى أرسلها مع عمرو .. وحشتينى أوى وبضمير ... تناولت وسادته وهى تستلقى على جانبها الأيمن واحتضنتها بقوة وهى ترويها بدموعها هامسة 
وانت كمان وحشتنى أوى يا بلال
طرقت والدته باب غرفتها فوضعت الوسادة مكانها ومسحت دموعها واتجهت للباب وفتحته وعيونها المعذبة تفضح حزنها ..أخذتها والدته من ذراعها وخرجت بها خارج غرفتها إلى الأريكة التى يعتادون الجلوس عليها أجلستها كالاطفال والتفتت إليها قائلة 
عارفة يا عبير أول مرة خدوا بلال فيها .. كنت ھموت من الړعب والخۏف عليه
25  26  27 

انت في الصفحة 26 من 66 صفحات