رواية نوفيلا الفصول من الخامس للثامن الاخير
الحقيقة.
دلف محمود إلى داخل المنزل في ليلة ماطرة من ليالي الشتاء الباردة ليستقبله طفله البكر شادي بقامته القصيرة يحمل بين ذراعيه شقيقته الصغرى نسرين و التي لم يكن عمرها قد تجاوز بضعة أشهر.
تأمل شادي ببراءة تلك المرأة التي تقف بجوار والده و تسائل بحيرة
مين ديه!
جلس الأب القرفصاء حتى يصبح في قامته و قال بحنان
اعترض الصغير قائلا
بس ماما عند ربنا!
لمس الأب وجنتي طفلته الصغيرة و قال برفق
اختك صغيرة يا شادي و محتاجه يبقى عندها ماما.
كاد شادي أن يعترض و لكن نظرة إلى وجه شقيقته البريء جعلته يتراجع عن ذلك و قد قرر بطفولته أن يتقبل تلك السيدة في حياتهما من أجل نسرين.
مع مرور الأعوام كانت نسرين تكبر و يزداد حب والدها لها لشدة شبهها بوالدتها و لكن غيرة زوجته كانت تشتد ايضا و بغضها لتلك الصغيرة.
راقب شادي الدموع في عيني نسرين بحزن شديد مدركا مدى صډمتها و قد ادركت إن ما عايشته ما هو إلا كڈبة.
تسائلت بصوت متحشرج
ليه مقولتليش قبل كده!
علشان رغم اللي كانت بتعمله كنتي بتعتبريها امك و بتحبيها فمكنش ينفع اخد منك ده.
كانت تشعر بالڠضب تجاهه و لكن لوهلة تبدد ذلك الڠضب و اتجهت إلى ذراعيه ليضمها مغمغما
أنا أسف إني مقولتلكيش الحقيقة.
هزت رأسها و قالت
يمكن لو كنت عرفت من قبل كده مكنتش هقدر اتحمل الحقيقة لكن دلوقتي...
وقع بصرها على خاتم خطبتها و استطردت مبتسمة بشحوب
ربت على رأسها بحنان و قبل جهتها.
بعد فترة من الوقت تسائل بتردد
هتعملي إيه معاها!
ادركت مقصده و تنهدت تكتم تلك الوساوس التي تحثها على الاڼتقام لكل ما ذرفته من عبرات و قالت بحزم
مقدرش انكر إنها ربتني رغم كل حاجه لازم اتكلم معاها.
اومأ في تفهم و لكن عينيه اوضحت إن هناك جزءا من الحقيقة مازال مخفيا و يفضل أن يحتفظ به لنفسه.
لم تعد تدرك بماذا تدعوها فلم تكن امها يوما ما تنهدت پألم و اتجهت إليها لتتخذ مكانا بجوارها.
لم تلتفت إليها بل لم تبدو إنها انتبهت إلى وجودها و كأن تأمل الصورة التي بين يديها حتى حفظت قسمات صاحبتها عزلتها عن العالم بأكمله.
قالت نسرين بهدوء
رفعت أعين دامعة إليها و استطردت قائلة
بس أنا حبيتك و حبيت مريم.
ما أن نطقت اسم مريم حتى رفعت الأم رأسها في انتباه شديد ثم قالت بنبرة مفعمة بالكراهية
أنا عمري ما هحبك أبدا مريم بس اللي بنتي مريم بس...
اخذت ترددها كثيرا بينما نسرين فقد كانت عبراتها لا تتوقف عن الانهمار في صمت و لكن إذا كان في الأمر بعض المواساة فهو اعترافها إن من امامها هي أم قلبها مكسور لفقدان طفلتها.
خرجت من غرفتها إلى الردهة بخطوات بطيئة و الدموع ټغرق وجهها لتفاجئ بوجود رماح يجلس مع شادي و ما أن رآها حتى نهض يتأملها في صمت.
لا تعرف من منهما تحرك أولا و لكن كل ما تدركه في هذه اللحظة هو وجودها بين ذراعيه تسفك العبرات فوق صدره بينما هو يربت بحركات رتيبة مطمئنة فوق رأسها و على ظهرها.
بعد لحظات و قد تسلل الهدوء إلى قلبها و ابتعدت عنه ليتأمل بقايا العبرات في عينيها و يرفع كفه مجففا إياها بحب.
قالت بصوت متحشرج
شادي قالك!
أومأ في صمت ثم قال بهدوء
بس عايز اسمع منك.
و كأنه اعطاها اذنا بالتحدث و التعبير عن كل تلك الفوضى بداخلها..تحدثت كثيرا لا تدرك آمتد حديثها لدقائق ام لساعات لكنها فقط عبرت عن الصراع و الآلام بداخلها بكلمات غير متناسقة و لكنه انصت إليها بتركيز شديد يعلق عندما يتطلب الأمر و يصمت حينا حتى لا يقطع تماسك حديثها.
بعدما انتهت أخيرا من حديثها حتى ضمھا إلى ذراعيه هامسا بكلمات تؤكد دعمه لها في القرار الذي اتخذته مؤمنا